قال الجاحظ وهو يتحدث عن أمر قتل عثمان وما جره على المسلمين من بلايا ومحن: " ثم ما زالت الفتن متصلة، والحروب مترادفة، كحرب الجمل وكوقائع صفين، وكيوم النهروان. إلى أن قتل أشقاها علي بن أبي طالب رضوان الله عليه فأسعده الله بالشهادة وأوجب لقاتله النار واللعنة إلى أن كان اعتزال الحسن عليه السلام الحروب وتخلية الأمور، عند انتشار أصحابه وما رأى من الخلل في عسكره، وما عرف من اختلافهم على أبيه، وكثرة تلونهم عليه، فعندها استوى معاوية على الملك، واستبد على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه عام الجماعة! وما كان عام جماعة! بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة! والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكا كسرويا، والخلافة غصبا قيصريا. ثم ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا، وعلى منازل ما رتبنا، حتى رد قضية رسول الله ردا مكشوفا وجحد حكمه جحدا ظاهرا، في ولد الفراش وما يجب للعاهر، مع اجتماع الأمة أن سمية لم تكن لأبي سفيان فراشا، وأنه إنما كان بها عاهرا، فخرج بذلك من الفجار إلى حكم الكفار (1).
وليس قتل حجر بن عدي، وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر وبيعة يزيد الخليع (2) والاستئثار بالفئ، واختيار الولاة على الهوى، وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة من جنس جحد الاحكام المنصوصة، والشرائع المشهورة، والسنن المنصوبة، وسواء في باب ما يستحق من الكفار جحد الكتاب ورد السنة، إذا كانت السنة في شهرة الكتاب وظهوره، إلا أن أحدهما أعظم وعقاب الآخرة عليه أشد.
فهذه أول كفرة كانت من الأمة. ثم لم تكن إلا فيمن يدعى إمامتها والخلافة عليها، على أن كثيرا من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك إكفاره، وقد أربت عليهم نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا، فقالت لا تسبوه فإن له صحبة، وسب معاوية بدعة، ومن يبغضه فقد خالف السنة!! فزعمت أن من السنة ترك البراءة ممن جحد السنة.