اعتراف أبي هريرة بأنهم كانوا يكذبونه!
ولقد سمع أبو هريرة بأذنية ما يزن به من قوارص الكلام، ورأى بعينيه ما يلقاه - أينما ولى وجهه - من قوارع الاتهام، فلم يجد مناصا - تلقاء ذلك - إلا أن يعترف غير مرة بما كان يرمى به من الانكار عليه وتكذيبه، فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وآله، وهذا مما لم يسمع من غيره من الصحابة جميعا، وهاك بعض هذه الاعترافات التي كان يصرح بها جهارا أمام الناس:
لما قدم العراق مع معاوية في العام الذي سموه عام الجماعة - وهو في الحقيقة عام الفرقة - جثا على ركبتيه في مسجد الكوفة وجعل يضرب صلعته مرارا، يلفت الناس بذلك إليه (ويلفت كذلك معاوية وحاشيته) وحين اجتمعوا عليه، أهاب بهم: يا أهل العراق أتزعمون أنى أكذب على رسول الله الحديث (1).
وروى مسلم عن أبي رزين قال: خرج إلينا أبو هريرة فضرب بيده على جهته فقال ألا إنكم تحدثون (أنى أكذب على رسول الله) لتهتدوا وأضل! ألا وإني سمعت رسول الله يقول: إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشى في الأخرى حتى يصلحها.
ونحن لا يعنينا من هذا الحديث إلا اعترافه الصريح بأنهم كانوا يتهمونه بالكذب، وأن هذا الاتهام قد استفاض بين الناس حتى أصبح يلاحقه في كل مكان، فمرة في العراق ومرارا في غير العراق من سائر الآفاق! أما نص الحديث فما نظن أنه قد صدر عن النبي صلى الله عليه وآله لأنه في أمر تافه لا يعنى النبي بمثله، وإنما يعنى به أبو هريرة لأنه يتفق مع عقله وتفكيره!