جذور الأموية:
إن قيام الدولة الأموية له جذور عميقة تضرب في أحشاء الزمن البعيد في الجاهلية، يجب على كل من يتصدى لتأريخ هذه الفترة من الزمن أن ينفذ إليها ويتعمقها، وأن يصورها تصويرا صادقا، ثم يعرض صورتها جلية على الناس - وهذه الجذور ترجع إلى ما كان من شنآن متأصل في صدر بنى أمية لبني هاشم قبل الاسلام، وظل هذا الشنآن يؤج بينهما على مد الزمن نارا وسعيرا، حتى إذا ظهر النبي (ص) بدعوته، كان هؤلاء القوم أسرع الناس إلى معارضته، والتصدي لدعوته، فعاجلوه بالمعارضة، وتولوه بالأذى حسدا من عند أنفسهم، ولم يذروه ينشر دعوته، ويبلغ رسالته، بل أضرموا عليه حربا ضروسا، اتصلت بينهم وبينه حوال عشرين سنة إلى أن فتحت مكة بنصر الله، فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، ولم يجد أبو سفيان الذي كانت له الزعامة في قريش بعد أن قتل صناديدهم في وقعة بدر - مناصا من أن يستسلم وأن يسلم مرغما هو وأولاده، ومنهم معاوية..
ولما كان إسلامهم هذا ظاهرا لم يجاوز حناجرهم، ولما يدخل الايمان في قلوبهم، فقد ظلوا على ما بأنفسهم، مضمرين بغضهم القديم، ومقتهم الموروث، وما أربى عليه من حقد جديد يأكل صدورهم - أن تظهر النبوة في بنى هاشم أعدائهم، وأن أيقنوا أن دعوة هذا النبي ستقضي إلى الأبد على نفوذهم بمكة التي كانت يومئذ خالصة لهم، وتمحو سيطرتهم على أهلها، ولبثوا من أجل ذلك كله يتربصون بالنبي الدوائر، ويرتقبون أن تتاح لهم فرصة فيعيدوا الكرة لكي يستعيدوا مجدهم الذاهب، ويستردوا نفوذهم البائد.
وما إن لحق النبي بالرفيق الاعلى حتى أسرعوا إلى إشعال نار الفتنة ليعيدوها جذعة، ولكنهم خابوا فيما كانوا يبتغون، وحاق بهم ما كانوا يمكرون، إذ لم يدع لهم أبو بكر وعمر وعلى أي منفذ إليه ينفذون، إلى أن قتل عمر بمؤامرة أثيمة، وهنالك أماطوا عن وجوههم أقنعة النفاق، وأخذوا يسعون بكل ما استطاعوا في سبيل قيام دولة منهم بعد أن طال ارتقابهم، وشد من عزمهم أن استخلف