من المصنف وغيره من اختصاص الحكم بالغسل لا يخلو من تأمل، وأطلق المصنف هنا كما في النافع والإرشاد، لكنه قال في المعتبر: قال الشيخان: ولو خشي الغاسل من البرد جاز، وهو حسن لأن فيه دفعا للضرر، وفي القواعد إلا مع الحاجة، وقد عرفت ما استثناه الشيخ من إزالة النجاسة، والمهذب من تليين الأعضاء، وهو مناف لاطلاق الأخبار، ولعل مراد الشيخ (رحمه الله) بعدم الامكان بالنسبة إلى إزالة النجاسة التعذر حقيقة، فإنه يتعين حينئذ قطعا، نعم إذا كان الماء باردا جدا قد سمعت ما عن أبي جعفر وعن الرضا (عليهما السلام) من قولهما إلا أن يكون شيئا باردا فتوقيه مما توقي نفسك.
والذي يقوى في النظر أنه متى توقف واجب على تسخين الماء كدفع ضرر أو إزالة نجاسة لا تنقلع إلا به أو نحو ذلك ارتفعت الكراهة قطعا، وبدونه فالكراهة باقية إلا إذا كان الماء باردا جدا فإنه وإن لم يخش الغاسل الضرر ينبغي أن يوقي الميت، ذلك مراعاة لحاله، وقد يستظهر من قوله (عليه السلام) فتوقيه مما توقي منه نفسك التعدية إلى أمور أخر، كملوحة الماء وكونه آجنا وغير ذلك وينبغي الاقتصار على مقدار ما تندفع به شدة البرودة، ولو أمكن ارتفاعها بغير النار كوضعها في مكان حار كان أولى، ويكره الاستشفاء بالحماة، وهي العيون الحارة التي تكون في الجبال التي توجد منها رائحة الكبريت، فإنها من فوج جهنم، للروايات (1) الدالة على ذلك، وقد صرح به ابن إدريس وهو المنقول عن ابن بابويه كما في المنتهى والمعتبر وظاهرهما القول به أيضا، ولا يكره غير ذلك، كما صرح به ابن إدريس أيضا، لخصوص النهي في الاستشفاء، والتعليل بأنها من فوج جهنم لا يقتضيه، لعدم الدليل على الكبرى، نعم قد يقال بالكراهة فيها في خصوص غسل الأموات، لما ذكرنا سابقا، ولما فيها من التشاءم لخصوص الميت لكونها من فوج جهنم، وقد يكون قوله (عليه السلام) لا تعجل له النار مشعرا بذلك.