المواطأة، فإنما يبني على هذا أنه متى كان المخبرون بحيث يؤمن تواطؤهم عادة يكون خبرهم متواترا. والحدود نوعان: منه ما يكون متميز الأطراف والوسط كالمقادير في الحدود الشرعية، ومنه ما يكون متميز الأطراف مشكل الوسط كالسير بالأميال والاكل بالأرطال. فهذا مما هو متميز الأطراف مشكل الوسط، والطريق فيه ما بينا.
فصل: في بيان أن إجماع هذه الأمة موجب للعلم قال رضي الله عنه: اعلم أن إجماع هذه الأمة موجب للعلم قطعا كرامة لهم على الدين لا لانقطاع توهم اجتماعهم على الضلال بمعنى معقول، فاليهود والنصارى والمجوس أكثر منا عددا وقد وجد منهم الاجماع على الضلالة، ولان الاتفاق قد يتحقق من الخلف على وجه المتابعة للآباء من غير حجة كما أخبر الله تعالى عن الكفرة بقوله تعالى: * (إنا وجدنا آباءنا على أمة) * وقال تعالى: * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) * فعرفنا أنه إنما جعل اجتماع هذه الأمة حجة شرعا كرامة لهم على الدين. فهذا مذهب الفقهاء وأكثر المتكلمين. وقال النظام وقوم من الامامية لا يكون الاجماع حجة موجبة للعلم بحال لأنه ليس فيه إلا اجتماع الافراد وإذا كان قول كل فرد غير موجب للعلم لكونه غير معصوم عن الخطأ فكذلك أقاويلهم بعدما اجتمعوا لان توهم الخطأ لا ينعدم بالاجتماع، ألا ترى أن كل واحد منهم لما كان إنسانا قبل الاجتماع فبعد الاجتماع هم ناس وكل واحد من القادرين حالة الانفراد لا يصير عاجزا بعد الاجتماع، وكل واحد من العميان عند الانفراد لا يصير بصيرا بالاجتماع، ولا تصير جملتهم أيضا بهذه الصفة بعد الاجتماع. وهذا الكلام ظاهر التناقض والفساد فقد ثبت بالاجتماع ما لا يكون ثابتا عند الانفراد في المحسوسات والمشروعات، فإن الافراد لا يقدرون على حمل خشبة ثقيلة وإذا اجتمعوا قدروا على ذلك، واللقمة الواحدة من الطعام والقطرة من الماء لا تكون مشبعة ولا مروية ثم عند الاجتماع تصير مشبعة ومروية، وهذا لان بالاجتماع يحدث ما لم يكن عند الانفراد وهو الدليل الجامع لهم على