لاشتهر ولم ينقل شئ من ذلك في الآثار، والذي يتحقق بهم الاجماع للدوران للانذار لا ينقطع توهم الكذب عن خبرهم لبقاء احتمال التواطؤ بينهم، فكان الاستدلال قائما وإن ساعدناهم على هذا التأويل.
فإن قيل: عندنا الراجع إلى كل فريق مأمور بالانذار بما سمعه لقومه، وإن لم يكن عليهم أن يقبلوا ذلك منه، بل المقصود أن يشتهر ذلك وعند الاشتهار تنتفي تهمة الكذب فتصير حجة حينئذ، بمنزلة الشاهد الواحد فإنه مأمور بأداء الشهادة، وإن كان العمل بشهادته لا يجب ما لم يتم العدد بشاهد آخر وتظهر العدالة بالتزكية.
قلنا: الشاهد إذا كان وحده فليس عليه أداء الشهادة، لان ذلك لا ينفع المدعي وربما يضر بالشاهد فلو لم يكن خبر الواحد حجة لوجوب العمل لما وجب الانذار بما سمع، ثم لما ثبت بالنص أنه مأمور بالانذار ثبت أنه يجب القبول منه، لأنه في هذا بمنزلة رسول الله (ص) فإنه كان مأمورا بالانذار ثم كان قوله ملزما للسامعين، كيف وقد بين الله تعالى حكم القبول والعمل به في إشارة بقوله: * (لعلهم يحذرون) *:
أي لكي يحذروا عن الرد والامتناع عن العمل بعد لزوم الحجة إياهم، كما قال تعالى:
* (فليحذر الذين يخالفون عن أمره) * والامر بالحذر لا يكون إلا بعد توجه الحجة.
فدل أن خبر الواحد موجب للعمل، ولان النبي عليه السلام كان مبعوثا إلى الناس كافة، قال تعالى: * (وما أرسلناك إلا كافة للناس) * وقد بلغ الرسالة بلا خلاف ومعلوم يقينا أنه ما أتى كل أحد فبلغه مشافهة، ولكنه بلغ قوما بنفسه، وآخرين برسول أرسل إليهم، وآخرين بكتاب، وكتابه إلى ملوك الآفاق مشهور لا يمكن إنكاره، فلو لم يكن خبر الواحد حجة لما كان مبلغا رسالات ربه بهذا الطريق إلى الناس كافة، وقد فتحت البلدان النائية على عهده كاليمن والبحرين وهو ما أتاهم بنفسه ولكنه بعث عاملا إلى كل ناحية ليعلمهم الاحكام، على ما هو سير الملوك اليوم في بعث العمال إلى البلدان لأجل أمور الدنيا، فلو لم يكن خبر الواحد حجة في أمور الدين لما اكتفى به رسول الله (ص) في حق الذين آمنوا وكانوا بالبعد من