والأوجه عندي أن هذا إجماع عند أصحابنا جميعا للدليل الذي دل على أن إجماع أهل كل عصر إجماع معتبر، وإنما ينفذ قضاء القاضي بجواز بيعها لشبهة الاختلاف في أن مثل هذا هل يكون إجماعا؟ فعلى اعتبار هذه الشبهة يكون قضاؤه في مجتهد فيه، فلهذا نفذه أبو حنيفة رحمه الله.
وجه قول الفريق الأول أن الحجة إجماع الأمة والذي كان مخالفا في الصدر الأول من الأمة وبموته لا يبطل قوله فلا يثبت الاجماع بدون قوله، ألا ترى أنه لو بقي حيا إلى هذا الوقت لم ينعقد الاجماع بدون قوله، فكذلك إذا كان ميتا، لان اعتبار قوله لدليله لا لحياته، ولأنه لو ثبت الاجماع بعده لوجب القول بتضليله، ولا نظن أحدا يقول هذا لابن عباس رضي الله عنهما في زوج وأبوين وإن أجمعوا بعده على خلاف قوله، ولا لابن مسعود رضي الله عنه في تقديم ذوي الأرحام على مولى العتاقة وإن أجمعوا بعده على خلاف قوله، وقد قلتم إذا قال لامرأته أنت خلية ونوى ثلاثا ثم وطئها في العدة وقال علمت أنها علي حرام لا يلزمه الحد، لان عمر رضي الله عنه كان يراها تطليقة رجعية وقد أجمعوا بعده على خلاف ذلك ولهذا صح نية الثلاث فيه، فدل أن الاجماع لا يثبت بمثل هذا.
وجه قولنا إن المعتبر إجماع أهل كل عصر لما بينا أن المقصود كون أحكام الشرع محفوظة وأن ثبوت هذا الحكم باعتبار الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك يختص به الاحياء من أهل العصر دون من مات قبلهم فكما أن لا يعتبر توهم قول ممن يأتي بعدهم بخلاف قولهم في منع ثبوت حكم الاجماع فكذلك لا يعتبر قول واحد كان قبلهم إذا اجتمعوا في عصرهم على خلافه، ويجعل هذا الاجماع بمنزلة التقدير من رسول الله (ص) أن لو عرض عليه الفتوى، ومعلوم أنه لو عرض عليه فقال: الصواب هذا فإنه تثبت الحجة به ولا يضلل القائل بخلافه قبل هذا التنصيص، فكذلك هنا لا يضلل القائل بخلافه قبل هذا الاجماع، ألا ترى أن أهل قباء كانوا يصلون إلى بيت المقدس بعدما نزلت فرضية التوجه إلى الكعبة حتى أتاهم آت فأخبرهم واستداروا