دليل على الموافقة. بهذا الطريق أثبتنا كون القرآن معجزا، لان العرب ما عارضوا بمثله ولو فعلوا لانتشر ذلك، وعجزهم عن المعارضة بعد التحدي دليل على أنه معجز.
فإن قيل: فقد اشتهر فتوى الناس بجواز المزارعة بعد أبي حنيفة قولا وفعلا مع سكوت أصحاب أبي حنيفة عن النكير ولم يكن ذلك دليل الموافقة. قلنا: كما انتشر ذلك فقد انتشر أيضا الخلاف من أصحاب أبي حنيفة لمن أجاز المزارعة محاجة ومناظرة، وإنما تركوا التشنيع على من يباشر ذلك لأنه ظهر عند الناس نوع رجحان لقول من أجازها فأخذوا بذلك، وذلك يمنع القائلين بفسادها من أن يظهروا منع الناس من ذلك لعلمهم أن الناس لا يمتنعون باعتبار ما ظهر لهم، بمنزلة القاضي إذا قضى في فصل مجتهد فيه فإنه لا يجب على المجتهد الذي يعتقد خلافه أن يظهر للناس خطأ القاضي، لعلمه أن الناس لا يأخذون بقوله، ولاعتقاده أن قضاء القاضي بما قضى به نافذ وأن ذلك الجانب ترجح بالقضاء، فترك النكير على من يباشر المزارعة بهذه المثابة. يحقق ما قلنا إن من عادة المتشاورين من العوام في شئ يهمهم من أمر الدنيا ويتعلق به بعض مصالحهم أن البعض إذا أظهر فيه رأيا وعند البعض خلاف ذلك فإنهم لا يمتنعون من إظهار ما عندهم إلا نادرا ولا يبنى الحكم على النادر، فإذا كان هذا في أمر الدنيا مع أن السكوت عن الاظهار يحل فيه شرعا فلان يكون أمر الدين وما يرجع إلى إظهار حكم الله تعالى بهذه الصفة حتى يكون السكوت فيه دليل الوفاق كان أولى، فكذلك العادة من حال من يسمع ما هو مستبعد عنه أن لا يمتنع من إظهار النكير عنده، بل يكون ذلك جل همه، ألا ترى أنه لو أخبر مخبر أن الخطيب يوم الجمعة لما صعد المنبر رماه إنسان بسهم فقتله، وسمع ذلك منه قوم شهدوا الجمعة ولم يعرفوا من ذلك شيئا، فإنه لا يكون في همتهم شئ أسبق من إظهار الانكار عليه، وقد بينا أن ما عليه العادة الظاهرة لا يجوز تركه في الاحكام، فتبين باعتبار هذه العادة أن السكوت دليل الموافقة، ونحن نعلم أنه قد كان عند الصحابة أن إجماعهم