فأولا: أنه يظهر من كلامه (قدس سره): أنه يريد إثبات الأمر في الصورة الأولى - وهي ما إذا علم بتاريخ الاستعمال، وشك بتاريخ النقل - بالاستصحاب العقلائي; بدعوى أنه كما يكون الاستصحاب في محيط الشريعة، فكذلك يكون في محيط العرف والعقلاء، غاية الأمر أن ما عند العقلاء تكون مثبتاته حجة، دون ما يكون في الشريعة.
وقد ظهر مما تلوناه عليك: أنه لم يثبت لنا بناء من العقلاء في ذلك، بل يمكن ادعاء أن بناءهم على خلاف ذلك.
ولو ثبت الاستصحاب العقلائي في المقام فحيث إن مفاده: أن «ما ثبت يدوم» ونحوه، فلو علموا بوجود شيء في زمان، ثم شكوا في بقائه في الزمان اللاحق، فلابد وأن يبنوا على بقائه معللا بوجوده في الزمان السابق، والحال أنه ليس كذلك في المقام; بداهة أنهم في صورة الشك في النقل وعدمه، لا يلتفتون إلى أنه حيث لم يوجد سابقا فمقتضى الاستصحاب عدمه، بل يرون الظاهر من الكلام، فإن كان له ظهور في معنى لا يرفعون اليد عنه، بل يحتجون به، كما يحتج العبد على المولى بالظاهر الملقى إليه ولو لم يرده المولى، ولا يعتنون باحتمال الخلاف، كما يحتج المولى على عبده بما هو الظاهر من كلامه.
والشاهد على ما ذكرنا: أنه في صورة ما إذا كان للكلام ظهور في معنى، وشك في نقله عنه، لا يكون ذلك عندهم لأجل الاستصحاب، بل لأجل أن كل كلام يكون له ظهور في معنى، لا يرفعون اليد عنه باحتمال إرادة الخلاف، ولذا تراهم في صورة ما إذا كان للفظ ظهور في معنى فعلا، واحتمل ظهوره سابقا في معنى آخر، يرتبون الأثر على ما يكون اللفظ ظاهرا فيه فعلا، ويحتجون بظاهره، مع أنه لا يجري استصحاب عدم النقل.
نعم: يمكن أن يقال بجريان الاستصحاب القهقري، ولكنه تصوير مدرسي