دليل على وجوب صلاة الظهر واخر على وجوب صلاة الجمعة، وعلم من الخارج بعدم وجوب أكثر من صلاة واحدة تعارضا وتساقطا وجاز الرجوع لأصل البراءة والبناء على عدم وجوب كل من الصلاتين، إذ ليس لهما مدلول التزامي قاض بوجوب فريضة في اليوم، ليمتنع الرجوع للبراءة، بل كل منهما يقتضي وجوب كل من الفريضتين بخصوصها، ولا يدلان على وجوب القدر المشترك، فمع سقوطهما عن الحجية في الخصوصية لا وجه لحجيتهما في القدر المشترك، ولا عبرة بتحليل مفاد كل منهما إلى الجنس والفصل واشتراكهما في الجنس، فإن التحليل العقلي لا أثر له في باب الظهورات وما يستفاد من الألفاظ.
نعم، لو كان مفاد الدليلين وجوب فريضة في اليوم واختلفا في تعيينها امتنع الرجوع للأصل، لاشتراكهما في وجوب فريضة في الجملة.
وفيه: - مع أن ذلك إنما يمنع من حجيتهما في نفي الثالث المطابق لأصالة البراءة، لا المخالف له، كوجوب فريضة ثالثة لو فرض كونه مقتضى عموم أو استصحاب - أن المراد بالمدلول الالتزامي في محل الكلام ليس خصوص ما يكون موضوعا لدلالة عرفية للكلام، بحيث يكون مرادا بالبيان بمقتضى ظاهر الكلام، ليتجه ما ذكره من عدم العبرة بالتحليل العقلي في باب الظهورات، بل مطلق لازم مؤدى الكلام ولو لم يكن المتكلم بصدد بيانه، ومن الظاهر أن لازم وجوب إحدى الفريضتين بخصوصيتها وجوب فريضة في الجملة، كما لو صرح به في أحد الدليلين أو كليهما وتصدى المتكلم لبيانه.
اللهم إلا أن يقال: وجوب إحدى الفريضتين ليس لازما واقعيا لمفاد الدليلين المطابقي، ليجري فيه ما سبق في المدلول الالتزامي، بل هو متحد معه حقيقة، وان باينه مفهوما مباينة المجمل للمبين، فمع فرض سقوط الدليل عن الحجية في المدلول المطابقي لا مجال لحجيته فيه.