بحكم العقل أما على الأول فلأن الخطاب إنما يقتضي كون متعلقه مقدورا إذا كان الغرض منه إيجاد الداعي في نفس المكلف وتحريكه نحو الاتيان بمتعلقه ومن الواضح أن إيجاد الداعي في نفسه لا يمكن إلا إذا كان متعلقه مقدورا وإلا فلا يمكن إيجاده وحيث أن الغرض من الأمر الغيري ليس هو إيجاد الداعي في نفس المكلف فلا يقتضي أن يكون متعلقه مقدورا فإن داعويته إنما هي بداعوية الأمر النفسي لا بذاته.
و أما على الثاني فلأن حكم العقل باعتبار القدرة إنما هو بملاك قبح تكليف العاجز وإخراجه وإيقاعه في العصيان واستحقاق العقوبة ومن الواضح أن ذلك خاص بالواجب النفسي لما عرفت من عدم تصور العصيان واستحقاق العقوبة في الواجب الغيري المقدمي. هذا إضافة إلى أن الإرادة بمعنى الشوق المؤكد وإن كانت غير اختيارية لعدم اختيارية أسبابها إلا أن الفعل الاختياري ليس معلولا لها ومستندا إليها بل هو مستند إلى سلطنة النفس وأعمالها خارجا وهي باختيارها وقد فصلنا الحديث عن ذلك بشكل موسع في مبحث الجبر والتفويض ودعوى أن أخذ الإرادة بهذا المعنى في المقدمة لا يجدي في جعلها موصلة لأن المجموع المركب من المقدمة والإرادة لا يكون علة تامة حتى يكون مساوقا للمقدمة الموصلة لأن سلطنة النفس على الفعل لا توجب خروجه من حد الإمكان إلى الوجوب بالغير ومن هنا قلنا في ضمن البحوث السالفة أن قاعدة أن الشئ ما لم يجب لم يوجد غير منطبقه على الأفعال الاختيارية التي هي مسبوقة بسلطنة النفس وقدرتها وعلى هذا فبإمكان المكلف أن يترك الفعل بمقتضى سلطنته بعد ما لم يخرج بها عن حد الإمكان إلى الوجوب.
مدفوعة بما تقدم من أن المقدمة الموصلة لا تكون مساوقة للعلة التامة بالمفهوم الفلسفي بحيث يستحيل انفكاك ذي المقدمة عنها خارجا بل المراد