وثانيا: أن الظاهر أن الجهالة في الآية في مقابل التبين، ومعلوم أن التبين هو تحصيل العلم بالواقع وجعل الواقع بينا واضحا، والجهالة التي في مقابلته بمعنى عدم العلم بالواقع، لا بمعنى السفاهة والركون إلى ما لا ينبغي الركون إليه، كما أفاده - رحمه الله - تبعا للشيخ (1) قدس سره.
وثالثا: أن ما أفاد من حكومة المفهوم على عموم التعليل - مع كونه دورا واضحا، لأن الحكومة تتوقف على الفهوم، وهو عليها - فممنوع، فإن غاية (1) حكاه الشيخ عن بعض في فرائده: 73 سطر 14 - 16.
بل الحق أن الآية ليست بصدد بيان أن خبر الفاسق مطلقا لايعتنى به، لأن مناسبة صدرها وذيلها وتعليلها تجعلها ظاهرة في أن النبأ الذي كان له خطر عظيم - وأن الإقدام على طبقه موجب للمفاسد العظيمة والندامة، كإصابة القوم ومقاتلتهم - لابد من تبينه والعلم بمفاده، ولا يجوز الإقدام عليه بلا تحصيل العلم، خصوصا إذا جاء به الفاسق، فحينئذ فلابد من إبقاء الظاهر على حاله، فإن الظاهر من التبين طلب الوضوح وتحقيق كذب الخبر وصدقه ومن الجهالة في مقابل التبين هو عدم العلم بالواقع وليس معناها السفاهة.
ولو فرض أنها إحدى معانيها - مع إمكان منعه، لعدم ذكرها في جملة معانيها في الصحاح (أ) والقاموس (ب) والمجمع (ج) - وذكرها في بعض (د) اللغات، مع مخالفته للمتفاهم العرفي، لأمكن أن يقال: إن إطلاقها على السفاهة لأجل أنها جهالة، والسفيه جاهل بعواقب الأمور وتدبيرها، لا أنها بعنوانها معناها.
ثم إنه على ما ذكرنا لا يلزم التخصيصات الكثيرة في الآية، على فرض حملها على العلم الوجداني، كما قيل (ه)، فتدبر. [منه قدس سره] (أ) الصحاح 4: 1663 جهل.
(ب) القاموس المحيط 3: 363 - 364 جهل.
(ج) مجمع البحرين 5: 345 جهل.
(د) مفردات الراغب: 143 جهل.
(ه) نهاية الأفكار - القسم الأول من الجزء الثالث: 115 سطر 14 - 16.