رادع فعلا، والسيرة حجة لو أمضاها الشارع، ولا إمضاء في البين مع هذه النواهي، بل الردع موجود متحقق.
فإن قلت: إن الشارع أمضاها قبل ورود الآيات، فالأمر دائر بين تخصيصها بها أو ردعها إياها، كالخاص المقدم والعام المؤخر، حيث يدور الأمر فيهما بين التخصيص والنسخ، ومع عدم الترجيح يستصحب حجيتها.
قلت - مضافا إلى أن التمسك بالاستصحاب الذي دليله أخبار الآحاد لا معنى له في المقام -: إنا لا نسلم أن عدم الردع في أوائل البعثة يدل على الإمضاء، فإنه إنما يدل عليه لو انعقدت السيرة على العمل بالخبر الواحد في الأحكام الشرعية، كما انعقدت عليه في الاحكام العادية والعرفية، أو كان مظنه لذلك، دون ما إذا انعقدت فيهما ولا تسري إلى الأحكام الشرعية.
ومن المعلوم أنه في أوائل البعثة - التي لم تنتشر أحكام الإسلام في البلاد، وإنما كانت محدودة بين أشخاص معدودة، خصوصا في مكة المعظمة قبل هجرته صلى الله عليه وآله إلى المدينة - لا يحتاج تلك العدة المعدودة من المسلمين إلى العمل بقول الثقة في الأحكام، بل كل حكم صادر عن النبي - صلى الله عليه وآله - كان بمسمع من الأصحاب في الجامع أو غيره، بل في أوائل هجرته في المدينة كان الأمر بتلك المثابة، كما لا يخفى.
فعدم الردع لعله لأجل عدم الاحتياج، وعدم لزوم نقض الغرض، ومع احتمال ذلك لا يدل على الإمضاء، كما لا يخفى.
ولعل الآيات الناهية صدرت في تلك الآونة، لغرض الردع عن السيرة