مشارب الفلاسفة والعرفاء فيه، فمن كان من أهله فليراجع مظانه، ونحن لسنا بصدد بيان الجبر والاختيار وتحقيق الحال في تلك المسألة، فإن لها مقاما آخر، ولها مباد ومقدمات مذكورة في الكتب العقلية.
في أن السعادة قابلة للتغيير وكذا الشقاوة ثم اعلم: أن تلك الاختلافات التي قد أوضحنا سبيلها ونبهنا على أساسها، لم تكن من الأمور التي لا تختلف ولا تتخلف مثل الذاتيات الغير القابلة للتخلف، بل الإنسان - أي إنسان كان - ما دام كونه في عالم الطبيعة وتعانقه مع الهيولي القابلة للأطوار والاختلافات، قابل لأن يتطور وأن يتبدل ويتغير، إما إلى السعادة والكمالات اللائقة به، أو إلى الشقاوة والأمور المنافية لجوهر فطرته، كل ذلك بواسطة الكسب والعمل.
فالشقي، الفاسد عقيدة والسئ أخلاقا والقبيح أعمالا قابل لأن يصير سعيدا مؤمنا كاملا بواسطة كسبه وعمله وارتياضه ومشاقه، وتتبدل جميع عقائده وأخلاقه وأعماله إلى مقابلاتها، وكذلك السعيد قابل لأن يصير شقيا بالكسب.
وذلك لأن الهيولي الأولى قابلة، والمفاض عليها - بعد تطوراتها في مراتب الطبيعة من النطفة إلى أن تصير قابلة لإفاضة النفس عليها - هو النفس الهيولانية اللائقة للكمالات وأضدادها، وإذا اكتسبت الكمالات النفسانية لم تبطل الهيولي، ولم تصر تلك الكمالات ذاتها وذاتياتها، فهي - بعد لما كانت