ومن ذلك يظهر دفع الإشكال في حكومة الأصل السببي على المسببي، فإن انحلال قوله: (لا تنقض اليقين بالشك) يقتضي حكومة أحد المصداقين على الآخر، كما فيما نحن فيه، وإنما الفرق بينهما أن الحكومة في باب الأصل السببي والمسببي تقتضي إخراج الأصل المسببي عن تحت قوله: (لا تنقض اليقين بالشك م، وحكومة دليل الاعتبار فيما نحن فيه تقتضي إدخال فرد في التصديق، فيجب تصديقه، فصار ذا أثر، فإذا أخبر الصدوق يكون إخباره موضوعا ذا أثر حتى ينتهي إلى آخر السلسلة، مع أن هذا إنما يتم لو كان إخبار الصفار للصدوق ثابتا، وهو لا يثبت إلا بدليل التعبد، فلابد من التشبث بأول السلسلة، وهو أيضا مخدوش كما عرفت.
نعم، لا يبعد أن يقال: إن العرف والعقلاء لا يفرقون بين الاخبار مع الواسطة وبلا واسطة، ويفهمون من دليل الحجية أنها لا تختص بالاخبار بلا واسطة، ولا يجب أن تكون كل واسطة ذا أثر شرعي، بل لابد وأن لا تكون لغوا، وجعل الحجية ليس بلغو في المقام.
والسر في عدم تفرقتهم بينهما يمكن أن يكون لأجل أن نظرهم إلى الوسائط يكون طريقيا، ولهذا لا يعدون الخبر مع الوسائط أخبارا عديدة، بل خبرا واحدا ذا وسائط، فإذا قيل لهم: اعملوا بقول العادل، وكان الوسائط عدولأ، لا يخطر ببالهم أن هاهنا أخبارا متعددة، ولاعمل لغير واحد منها، بل لا يرون إلا خبرا واحدا ذا عمل امروا بالعمل على طبقه، ولهذا يكون الدليل الدال على احتياج الموضوعات إلى البينة منصرفا عن أقوال الوسائط، مع كونها موضوعات، بل قول الإمام أيضا كذلك، ولهذا لو كان لقول بعض الوسائط أثر خاص لم يمكن إثباته إلا بالبينة، فتدبر. [منه قدس سره].
(أ) كآية النفر، التوبة: 122، وآية سؤال أهل الذكر، النحل: 43، والأنبياء: 7.
(ب) الحجرات: 6.
(ج) فوائد الأصول 3: 195.
(د) فوائد الأصول 3: 179، نهاية الأفكار: القسم الأول من الجزء الثالث: 124 - 125.
(ه) درر الفوائد 2: 53 - 54.
(و) نهاية الأفكار: القسم الأول من الجزء الثالث: 124 - 125.
(ز) فوائد الأصول 3: 182 وما بعدها، نهاية الأفكار - القسم الأول من الجزء الثالث: 124.