فالبعث وإن كان من قبل الأمر - ويكون تحصله وتشخصه به - لكن المتعلق لا يكون مقيدا به حتى يكون البعث إلى الطبيعة المقيدة، فما تعلق به البعث ويكون الأمر داعيا إليه هو الطبيعة، وبعد تحقق البعث وتعلقه بها ينتزع منها أنها معنونة بعنوان المبعوث إليه.
وبعبارة أخرى: الأمر لا يدعو إلا إلى متعلقه، وهو لا يكون إلا الطبيعة لا بشرط شئ، لا المطلقة ولا المقيدة لبا أو لحاظا، كما اعترف - قدس سره - به في المقدمة الأولى، وبعد تعلق الأمر وتوجه الدعوة إليها تصير مقيدة بتعلق الأمر والبعث إليها، فمفاد الهيئة البعث إلى المادة التي هي لا بشرط شئ.
وثالثا: أن ما أفاده رحمه الله - من أن الأمر الواحد إذا تعلق بالطبيعة يقتضي المعلول الواحد، والأوامر الكثيرة تقتضي المعلولات الكثيرة كالعلل التكوينية - منظور فيه، فإن المعاليل التكوينية لما كان تشخصها بتشخص العلل، لا محالة يكون تكثرها بتكثر عللها أيضا، وهذا بخلاف الأوامر، فإنها لا تتعلق بالطبائع ولا تصير باعثة إليها، إلا بعد تصور المولى إياها وتعلق اشتياقه بها وانبعاث إرادته نحوها، فيأمر بإيجادها ويحرك العبد نحوها، فتقدير الطبيعة المأمور بها وتشخصها الذهني يكون سابقا على تعلق الأمر وعلى الإرادة التي هي مبدؤه، ولا يمكن أن تكون الطبيعة - بما هي أمر وحداني ومتصور فرداني - متعلقة لإرادتين، ولا لبعثين مستقلين تأسيسيين، ولو تعلق بها ألف أمر لا يفيد إلا تأكيدا.
وإن شئت قلت: إن تكثر المعلول التكويني بعلته، ولكن تكثر الإرادة