المطلب الأول: لا إشكال في أن العلم طريق إلى متعلقه كاشف عنه - سواء كان متعلقه مجملا مرددا بين أمرين أو أمور، أو مفصلا - وبعد كشف المتعلق وإحرازه يصير موضوعا لإطاعة المولى عقلا إذا تعلق بأمره أو نهيه، ولا شبهة في أن الآتي بجميع أطراف الشبهة التحريمية، والتارك لجميع أطراف الشبهة الوجوبية، حاله عند العقل كالآتي بالمحرم المعلوم تفصيلا، والتارك للواجب المعلوم كذلك، وانكار ذلك مكابرة لضرورة حكم العقل.
وما قيل: من أن موضوع حكم العقل في باب المعصية ما إذا علم المكلف حين إتيانه أنه معصية فارتكبه، والمرتكب لأطراف العلم الإجمالي لم يكن كذلك (1). يرده العقل السليم، فإن العقل يحكم قطعا بقبح مخالفة المولى، ويرى أن ارتكاب الجميع مخالفة قطعية له، ولافرق في نظر العقل بين قتل ولد المولى بالسم المعلوم تفصيلا أو إجمالا، وهذا واضح لا سترة عليه.
المطلب الثاني: لا شبهة في أنه كما يقبح عند العقل المخالفة القطعية، كذلك تجب الموافقة القطعية، لكن العقل يرى فرقا بينهما، فإن المخالفة القطعية معصية لا يمكن الاذن فيها من المولى، لكن المخالفة الاحتمالية لم تكن معصية ويكون حكم العقل بالنسبة إليها بنحو الاقتضاء، لا العلية التامة، لوجود الشك والسترة في البين، فلو فرض الاذن من الشارع بارتكاب بعض الأطراف والاكتفاء بالموافقة الاحتمالية لم يتحاش العقل منه كما يتحاشى من الاذن في المعصية، كما وقع في الشرعيات.