يغفل عن تفصيلها الفاعل أو الأمر، مثل كون أحدهما أسهل تناولا لكونه على يمينه، أو توجه النفس وتعلق إدراكها بأحدهما أولا، أو أكثر من الآخر بالعلل الخفية.
فلو قيل: نحن نفرض التساوي من جميع الجهات واقعا وفي نظر الفاعل.
قلنا: فإذن يمتنع تعلق الإرادة بأحدهما، وهذا الفرض مثل أن يقال:
نحن نفرض تحقق المعلول بلا علة موجبة، أو تحقق الإرادة من غير علة وغاية، أو نفرض اجتماع النقيضين، وهذه مجرد فروض لا واقع لها، وأوهام لا حقيقة لها.
وبالجملة: يرجع الترجيح بلا مرجح في جميع الموارد إلى وجود الممكن بلا علة، وبطلانه من البديهيات الأولية، ولافرق بين قول الأشاعرة الغير المحققين والمحققين منهم لو وجد بينهم محقق، ولو كان هذا الرأي والتفرقة أثر تحقيقهم، فهو - كما ترى - ليس فيه أثر تحقيق أصلا.
ثم إنه قد أورد في الجهة الأولى من التقريرات كلاما آخر ملخصه: أن دعوى تبعية الأوامر والنواهي لمصالح ومفاسد في نفسها دون متعلقاتها ضعيفة ولو إيجابا جزئيا، فإن المصلحة في الأمر مما لا معنى لها، وإلا يلزم أن تتحقق المصلحة بمجرد الأمر بلا انتظار شئ آخر، والأوامر الامتحانية التي مثلوا بها لذلك ليست كذلك، فإن المصلحة فيها قائمة بإظهار العبد الإطاعة، وهو لا يتحقق إلا بالجري على وفق المأمور به، وأين هذا من كون المصلحة في نفس