ولا يندفع هذا الاحتمال بإطلاق أدلة العمل بالأخبار، لأنها في مقام تعيين العمل بكل من المتعارضين مع الإمكان، لكن صورة التعارض ليست من صور إمكان العمل بكل منهما، وإلا لتعين العمل بكليهما. والعقل إنما يستفيد من ذلك الحكم المعلق بالإمكان عدم جواز طرح كليهما (1)، لا التخيير بينهما، وإنما يحكم بالتخيير بضميمة أن تعيين أحدهما ترجيح بلا مرجح، فإن استقل بعدم المرجح حكم بالتخيير، لأنه نتيجة عدم إمكان الجمع وعدم جواز الطرح وعدم وجود المرجح لأحدهما، وإن لم يستقل بالمقدمة الثالثة توقف عن التخيير، فيكون العمل بالراجح معلوم الجواز والعمل بالمرجوح مشكوكا.
فإن قلت:
أولا: إن كون الشئ مرجحا - مثل كون الشئ دليلا - يحتاج إلى دليل، لأن التعبد بخصوص الراجح إذا لم يعلم من الشارع كان الأصل عدمه، بل العمل به مع الشك يكون تشريعا، كالتعبد بما لم يعلم حجيته.
وثانيا: إذا دار الأمر بين وجوب أحدهما على التعيين وأحدهما على البدل، فالأصل براءة الذمة عن خصوص الواحد المعين، كما هو مذهب جماعة في مسألة دوران الأمر بين التخيير والتعيين (2).
قلت: إن كون الترجيح كالحجية أمرا يجب ورود التعبد به من الشارع مسلم، إلا أن الالتزام بالعمل بما علم جواز العمل به من