أما لو جعلناه من باب الطريقية - كما هو ظاهر أدلة حجية الأخبار بل غيرها من الأمارات - بمعنى: أن الشارع لاحظ الواقع وأمر بالتوصل إليه من هذا الطريق، لغلبة أيصاله إلى الواقع (1)، فالمتعارضان لا يصيران من قبيل الواجبين المتزاحمين، للعلم بعدم إرادة الشارع سلوك الطريقين معا، لأن أحدهما مخالف للواقع قطعا، فلا يكونان طريقين إلى الواقع ولو فرض - محالا - إمكان العمل بهما، كما يعلم إرادته لكل من المتزاحمين في نفسه على تقدير إمكان الجمع.
مثلا: لو فرضنا أن الشارع لاحظ كون الخبر غالب الإيصال إلى الواقع، فأمر بالعمل به في جميع الموارد، لعدم المايز بين الفرد الموصل منه وغيره، فإذا تعارض خبران جامعان لشرائط الحجية لم يعقل بقاء تلك المصلحة في كل منهما، بحيث لو أمكن الجمع بينهما أراد الشارع إدراك المصلحتين، بل وجود تلك المصلحة في كل منهما بخصوصه مقيد بعدم معارضته بمثله.
ومن هنا، يتجه الحكم حينئذ بالتوقف، لا بمعنى أن أحدهما المعين واقعا طريق ولا نعلمه بعينه - كما لو اشتبه خبر صحيح بين خبرين - بل بمعنى أن شيئا منهما ليس طريقا في مؤداه بخصوصه.
ومقتضاه: الرجوع إلى الأصول العملية إن لم نرجح (2) بالأصل الخبر المطابق له، وإن قلنا بأنه مرجح خرج عن مورد الكلام - أعني التكافؤ -، فلا بد من فرض الكلام فيما لم يكن هناك أصل