ثم إن الدليل المستقل المعاضد لأحد الخبرين حكمه حكم الكتاب والسنة في الصورة الأولى. وأما في الصورتين الأخيرتين، فالخبر المخالف له يعارض مجموع الخبر الآخر والدليل المطابق له، والترجيح هنا بالتعاضد لا غير.
وأما القسم الثاني - وهو ما لا يكون معاضدا لأحد الخبرين - فهي عدة أمور:
منها: الأصل، بناء على كون مضمونه حكم الله الظاهري، إذ لو بني على إفادته الظن بحكم الله الواقعي كان من القسم الأول. ولا فرق في ذلك بين الأصول الثلاثة، أعني: أصالة البراءة، والاحتياط، والاستصحاب.
لكن يشكل الترجيح بها، من حيث إن مورد الأصول ما إذا فقد الدليل الاجتهادي المطابق أو المخالف، فلا مورد لها إلا بعد فرض تساقط المتعارضين لأجل التكافؤ، والمفروض أن الأخبار المستفيضة دلت على التخيير مع فقد المرجح، فلا مورد للأصل في تعارض الخبرين رأسا.
فلا بد من التزام عدم الترجيح بها، وأن الفقهاء إنما رجحوا بأصالة البراءة والاستصحاب في الكتب الاستدلالية، من حيث بنائهم على حصول الظن النوعي بمطابقة الأصل. وأما الاحتياط، فلم يعلم منهم الاعتماد عليه، لا في مقام الاستناد (1)، ولا في مقام الترجيح (2).