كيف يصح المعاملة؟! لأن اشتراط العلم والمنع عن الغرر من طرف الشرع، فلا ينفع تراضيهما أصلا ولو كانا في غاية الرضا ونهاية الشوق وشدة الامتثال مع تساوي القيمة، بل والرغبة أيضا، بل وسائر الصفات، مثلا: إذا كان رطل من دبس التمر بدرهم ورطل من دبس العنب أيضا بدرهم، والدبسان متحدا الأوصاف، واتحد الرغبة أيضا، وعلم كل واحد من الطرفين بتحقق الدبسين الموصوفين، وأوقعا المعاملة على رطل متردد بينهما بدرهم من دون تعيين أحدهما لعدم التفاوت عندهما في الرغبة وعدم التفاوت في القيمة. أيضا لا ينفع ما ذكر للخروج عن الجهل والتصحيح، لتحقق المانع الشرعي - وهو الجهل والغرر ونهي النبي (صلى الله عليه وآله) عنه مطلقا (1) - وإن كان الطرفان في غاية الشوق.
والطبيعة الكلية وإن كانت معلومة من حيث الطبيعة الكلية، ومتعينة من هذه الحيثية، إلا أنها غير متعينة بالنظر إلى تحققها في ضمن الفرد في الخارج، وهي إنما تصير مبيعا وثمنا باعتبار تحققها في الفرد الخارجي.
ومعلوم أن الجريب الواقع في شرقي الأرض غير الجريب الواقع في غربيها - مثلا - كما أن الدبس التمري غير الدبس العنبي - مثلا - خرج متماثل الأجزاء بدليل، وهو الإجماع، وأن رطلين منها - مثلا - من جهة التماثل والاتحاد من جميع الوجوه لم يكونا عند العرف والمعاملين والعقلاء الماهرين شيئين متغايرين بحيث يكون التردد بينهما غررا عندهم وجهلا، ومرجع الغرر إلى العرف كما عرفت، ولا هكذا مختلف الأجزاء وغير متماثلها، فيبقى تحت عموم المنع، فتأمل.
فإن قلت: إذا جعل رطل مشخص من المتماثل - مثلا - مبيعا لا بد أن يكون متعينا، وإلا يكون البيع باطلا، فلو كان خصوصية شخصها غير داخل في الغرر