الخلق، فلما صار محمد عليه الصلاة والسلام، مع هذين الوصفين أكرم الخلق، كان ذلك قلبا للعادة، فكان من جنس المعجزات.
السؤال الثاني: ما الحكمة في أن الله ذكر هذه الأشياء؟ الجواب: الحكمة أن لا ينسى نفسه فيقع في العجب.
السؤال الثالث: روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سألت ربي مسألة وددت أني لم أسألها، قلت: اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسى تكليما، وسخرت مع داود الجبال، وأعطيت سليمان كذا وكذا، وأعطيت فلانا كذا وكذا، فقال: ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قلت: بلى. فقال: ألم أشرح لك صدرك؟ قلت: بلى، قال: ألم أرفع لك ذكرك؟ قلت: بلى! قال: ألم أصرف عنك وزرك؟ قلت: بلى، ألم أوتك ما لم أوت نبيا قبلك وهي خواتيم سورة البقرة؟ أم أتخذك خليلا كما اتخذت إبراهيم خليلا؟ " فهل يصح هذا الحديث قلنا: طعن القاضي في هذا الخبر فقال: إن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون مثل ذلك إلا عن إذن، فكيف يصح أن يقع من الرسول مثل هذا السؤال. ويكون منه تعالى ما يجري مجرى المعاتبة.
* (فأما اليتيم فلا تقهر) *.
وقرئ فلا تكهر، أي لا تعبس وجهك إليه، والمعنى عامله بمثل ما عاملتك به، ونظيره من وجه: * (وأحسن كما أحسن الله إليك) * (القصص: 77) ومنه قوله عليه السلام: " الله الله فيمن ليس له إلا الله " وروي: أنها نزلت حين صاح النبي صلى الله عليه وسلم على ولد خديجة ومنه حديث موسى عليه السلام حين: " قال: إلهي بم نلت ما نلت؟ قال: أتذكر حين هربت منك السخلة، فلما قدرت عليها قلت: أتعبت نفسك ثم حملتها، فلهذا السبب جعلتك وليا على الخلق، فلما نال موسى عليه السلام النبوة بالإحسان إلى الشاة فكيف بالإحسان إلى اليتيم، وإذا كان هذا العتاب بمجرد الصياح أو العبوسية في الوجه، فكيف إذا أذله أو أكل ماله، عن أنس عن النبي عليه الصلاة والسلام: " إذا بكى اليتيم وقعت دموعه في كف الرحمن، ويقول تعالى: من أبكى هذا اليتيم الذي واريت والده التراب، من أسكته فله الجنة ".
* (وأما السآئل فلا تنهر) *.
ثم قال تعالى: * (وأما السائل فلا تنهر) * يقال: نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره، وفي المراد من السائل قولان: أحدهما: وهو اختيار الحسن أن المراد منه من يسأل العلم ونظيره من وجه: * (عبس وتولى * أن جاءه الأعمى) * (عبس: 1، 2) وحينئذ يحصل الترتيب، لأنه تعالى قال له أولا: * (ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغنى) * (الضحى: 6، 8) ثم اعتبر هذا الترتيب، فأوصاه برعاية حق اليتيم، ثم برعاية حق من يسأله عن العلم والهداية، ثم أوصاه بشكر نعم الله عليه