رجع الرهط إليهم وأخبروهم بقول اليهود قالوا إنه كان ساحرا كما أن محمدا ساحر، فقال تعالى: * (أو لم يكفروا بما أوتى موسى) * ورابعها: قال الحسن قد كان للعرب أصل في أيام موسى عليه السلام فمعناه على هذا أو لم يكفر آباؤهم بأن قالوا في موسى وهارون ساحران وخامسها: قال قتادة أو لم يكفر اليهود في عصر محمد بما أوتي موسى من قبل من البشارة بعيسى ومحمد عليهما السلام فقالوا ساحران وسادسها: وهو الأظهر عندي أن كفار قريش ومكة كانوا منكرين لجميع النبوات ثم إنهم لما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم معجزات موسى عليه السلام قال الله تعالى: * (أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل) * بل بما أوتي جميع الأنبياء من قبل، فعلمنا أنه لا غرض لكم في هذا الاقتراح إلا التعنت، ثم إنه تعالى حكى كيفية كفرهم بما أوتي موسى من وجهين: الأول: قولهم: * (ساحران تظاهرا) * قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأهل المدينة (ساحران) بالألف وقرأ أهل الكوفة بغير ألف وذكروا في تفسير الساحرين وجوها: أحدها: المراد هارون وموسى عليهما السلام تظاهرا أي تعاونا وقرئ (اظاهرا) على الإدغام وسحران بمعنى ذوي سحر وجعلوهما سحرين مبالغة في وصفهما بالسحر وكثير من المفسرين فسروا قوله: * (سحران) * بأن المراد هو القرآن والتوراة واختار أبو عبيدة القراءة بالألف لأن المظاهرة بالناس وأفعالهم أشبه منها بالكتب وجوابه: إنا بينا أن قوله: * (سحران) * يمكن حمله على الرجلين وبتقدير أن يكون المراد الكتابين لكن لما كان كل واحد من الكتابين يقوي الآخر لم يبعد أن يقال على سبيل المجاز تعاونا كما تقول تظاهرت الأخبار وهذه التأويلات إنما تصح إذا حملنا قوله: * (أو لم يكفروا بما أوتي موسى) * إما على كفار مكة أو على الكفار الذين كانوا في زمان موسى عليه السلام ولا شك أن ذلك أليق بمساق الآية الثاني: قولهم: * (إنا بكل كافرون) * أي بما أنزل على محمد وموسى وسائر الأنبياء عليهم السلام ومعلوم أن هذا الكلام لا يليق إلا بالمشركين لا باليهود وذلك مبالغة في أنهم مع كثرة آيات موسى عليه السلام كذبوه فما الذي يمنع من مثله في محمد صلى الله عليه وسلم وإن ظهرت حجته، ولما أجاب الله تعالى عن شبههم ذكر الحجة الدالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فقال: * (قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه) * وهذا تنبيه على عجزهم عن الإتيان بمثله، قال الزجاج (أتبعه) بالجزم على الشرط ومن قرأ (أتبعه) بالرفع فالتقدير أنا أتبعه، ثم قال: * (فإن لم يستجيبوا لك) * قال ابن عباس يريد فإن لم يؤمنوا بما جئت به من الحجج، وقال مقاتل فإن لم يمكنهم أن يأتوا بكتاب أفضل منهما وهذا أشبه بالآية فإن قيل الاستجابة تقتضي دعاء فأين الدعاء ههنا؟ قلنا قوله: * (فأتوا بكتاب) * أمر والأمر دعاء إلى الفعل ثم قال: * (فاعلم أنما يتبعون أهواءهم) * يعني قد صاروا ملزمين ولم يبق لهم شيء إلا اتباع الهوى ثم زيف طريقتهم بقوله: * (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) * وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد وأنه لا بد من الحجة والاستدلال * (إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * وهو عام يتناول الكافر لقوله: * (إن الشرك لظلم عظيم) * واحتج الأصحاب به في أن هداية الله تعالى خاصة بالمؤمنين.
(٢٦١)