قبلنا، ولم يظهر له أثر فهو إذن من أساطير الأولين يريدون ما لا يصح من الأخبار، فإن قيل ذكر ههنا * (لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا) * وفي آية أخرى: * (لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا) * (المؤمنون: 83) فما الفرق؟ قلنا التقديم دليل على أن المقدم هو المقصود الأصلي وأن الكلام سيق لأجله، ثم إنه سبحانه لما كان قد بين الدلالة على هذين الأصلين، ومن الظاهر أن كل من أحاط بهما فقد عرف صحة الحشر والنشر ثبت أنهم أعرضوا عنها ولم يتأملوها، وكان سبب ذلك الإعراض حب الدنيا وحب الرياسة والجاه وعدم الانقياد للغير، لا جرم اقتصر على بيان أن الدنيا فانية زائلة فقال: * (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) * وفيه سؤالان:
السؤال الأول: لم لم يقل: كيف كانت عاقبة المجرمين؟ جوابه: لأن تأنيثها غير حقيقي ولأن المعنى كيف كان آخر أمرهم.
السؤال الثاني: لم لم يقل عاقبة الكافرين؟ جوابه: الغرض أن يحصل التخويف لكل العصاة ثم إنه تعالى صبر رسوله على ما يناله من هؤلاء الكفار فقال: * (ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون) * فجمع بين إزالة الغم عنه بكفرهم وبين إزالة الخوف من جانبهم، وصار ذلك كالتكفل بنصرته عليهم وقوله: * (ولا تكن في ضيق) * أي في حرج قلب يقال ضاق الشيء ضيقا وضيقا بالفتح والكسر والضيق تخفيف الضيق، ويجوز أن يراد في أمر ضيق من مكرهم الوجه الثاني: للكفار قولهم: * (متى هذا الوعد) * وقوله: * (إن كنتم صادقين) * دل على أنهم ذكروا ذلك على سبيل السخرية فأجاب الله تعالى بقوله: * (عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون) * وهو عذاب يوم بدر، فزيدت اللام للتأكيد كالباء في * (ولا تلقوا بأيديكم) * (البقرة: 195) أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو دنا لكم وأزف لكم، ومعناه تبعكم ولحقكم، وقرأ الأعرج * (ردف لكم) * بوزن ذهب وهما لغتان، والكسر أفصح، وههنا بحثان:
البحث الأول: أن عسى ولعل في وعد الملوك ووعيدهم يدلان على صدق الأمر، وإنما يعنون بذلك إظهار وقارهم، وأنهم لا يعجلون بالانتقام لوثوقهم بأن عدوهم لا يفوتهم، فعلى ذلك جرى وعد الله ووعيده.
الثاني: أنه قد ثبت بالدلائل العقلية أن عذاب الحجاب أشد من عذاب النار، ولذلك قال: * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنه لصالوا الجحيم) * (المطففين: 15، 16) فقدم الحجاب على الجحيم، ثم إنهم كانوا محجوبين في الحال، فكان سبب العذاب بكماله حاصلا، إلا أن الاشتغال بالدنيا ولذاتها كالعائق عن إدراك ذلك الألم، كما أن العضو الخدر إذا مسته النار، فإن سبب الألم حاصل في الحال، لكنه لا يحصل الشعور بذلك الألم لقيام العائق، فإذا زال العائق عظم البلاء، فكذا ههنا إذا زال البدن عظم عذاب الحجاب، فقوله سبحانه: * (عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون) * يعني المقتضي له والمؤثر فيه حاصل، وتمامه إنما يحصل بعد الموت، ثم إنه سبحانه بين