تشاءمنا بك لأن الذي يصيبنا من شد وقحط فهو بشؤمك وبشؤم من معك.
قال صاحب " الكشاف " كان الرجل يخرج مسافرا فيمر بطائر فيزجره فإن مر سانحا تيمن وإن مر بارحا تشاءم فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان للخير والشر وهو قدر الله وقسمته، فأجاب صالح عليه السلام بقوله: * (طائركم عند الله) * أي السبب الذي منه يجيء خيركم وشركم عند الله وهو قضاؤه وقدره إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم وقيل بل المراد إن جزاء الطيرة منكم عند الله وهو العقاب، والأقرب الوجه الأول لأن القوم أشاروا إلى الأمر الحاصل فيجب في جوابه أن يكون فيه لا في غيره، ثم بين أهذا جهل منهم بقوله: * (بل أنتم قوم تفتنون) * فيحتمل أن غيرهم دعاهم إلى هذا القول، ويحتمل أن يكون المراد أن الشيطان يفتنكم بوسوسته، ثم إنه سبحانه قال: * (وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض) * والأقرب أن يكون المراد تسعة جمع إذ الظاهر من الرهط الجماعة لا الواحد، ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل، ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد لاختلاف صفتهم وأحوالهم لا لاختلاف السبب، فبين تعالى أنهم يفسدون في الأرض ولا يمزجون ذلك الفساد بشيء من الصلاح، فلهذا قال: * (يفسدون في الأرض ولا يصلحون) * ثم بين تعالى أن من جملة ذلك ما هموا به من أمر صالح عليه السلام.
أما قوله: * (تقاسموا بالله) * فيحتمل أن يكون أمرا أو خبرا في محل الحال بإضمار قد، أي قالوا متقاسمين، والبيات متابعة العدو ليلا.
أما قوله: * (ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله) * يعني لو اتهمنا قومه حلفنا لهم أنا لم نحضر. وقرئ (مهلك) بفتح الميم واللام وكسرها من هلك ومهلك بضم الميم من أهلك، ويحتمل المصدر والمكان والزمان، ثم إنه سبحانه قال: * (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون) * وقد اختلفوا في مكر الله تعالى على وجوه: أحدها: أن مكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون، شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة، روي أنه كان لصالح عليه السلام مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه، فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه، ومن أهله قبل الثلاث فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذا جاء يصلي قتلناه، ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم، فبعث الله تعالى صخرة فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فهلكوا وهلك الباقون بالصيحة وثانيها: جاؤوا بالليل شاهرين سيوفهم وقد أرسل الله تعالى الملائكة ملء دار صالح فدمغوهم بالحجارة، يرون الأحجار ولا يرمون راميا وثالثها: أن الله تعالى أخبر صالحا بمكرهم فتحرز عنهم فذاك مكر الله تعالى في حقهم.
أما قوله: * (أنا دمرناهم) * استئناف، ومن قرأ بالفتح رفعه بدلا من العاقبة أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هي تدمرهم أو نصبه على معنى لأنا أو على أنه خبر كان أي كان عاقبة مكرهم الدمار.
أما قوله: * (خاوية) * فهو حال عمل فيها ما دل عليه تلك، وقرأ عيسى بن عمر (خاوية) بالرفع على خبر المبتدأ المحذوف والله أعلم.