فلا تنسى) * (الأعلى: 6) والروح الأمين جبريل عليه السلام وسماه روحا من حيث خلق من الروح، وقيل لأنه نجاة الخلق في باب الدين فهو كالروح الذي تثبت معه الحياة، وقيل لأنه روح كله لا كالناس الذين في أبدانهم روح وسماه أمينا لأنه مؤتمن على ما يؤديه إلى الأنبياء عليهم السلام، وإلى غيرهم.
وأما قوله: * (على قلبك) * ففيه قولان: الأول: أنه إنما قال: * (على قلبك) * وإن كان إنما أنزله عليه ليؤكد به أن ذلك المنزل محفوظ للرسول متمكن في قلبه لا يجوز عليه التغيير فيوثق بالإنذار الواقع منه الذي بين الله تعالى أنه هو المقصود ولذلك قال: * (لتكون من المنذرين) * الثاني: أن القلب هو المخاطب في الحقيقة لأنه موضع التمييز والاختبار، وأما سائر الأعضاء فمسخرة له والدليل عليه القرآن والحديث والمعقول، أما القرآن فآيات إحداها قوله تعالى في سورة البقرة (97): * (فإنه نزله على قلبك) * وقال ههنا: * (نزل به الروح الأمين على قلبك) * وقال: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) * (ق: 37)، وثانيها: أنه ذكر أن استحقاق الجزاء ليس إلا على ما في القلب من المساعي فقال: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) * (البقرة: 225) وقال: * (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) * (الحج: 37) والتقوى في القلب لأنه تعالى قال: * (أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) * (الحجرات: 3) وقال تعالى: * (وحصل ما في الصدور) * (العاديات: 10). وثالثها: قوله حكاية عن أهل النار: * (لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) * (الملك: 10) ومعلوم أن العقل في القلب والسمع منفذ إليه، وقال: * (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) * (الإسراء: 36) ومعلوم أن السمع والبصر لا يستفاد منهما إلا ما يؤديانه إلى القلب، فكان السؤال عنهما في الحقيقة سؤالا عن القلب وقال تعالى: * (يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور) * (غافر: 19)، ولم تخف الأعين إلا بما تضمر القلوب عند التحديق بها ورابعها: قوله: * (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) * (السجدة: 9) فخص هذه الثلاثة بإلزام الحجة منها واستدعاء الشكر عليها، وقد قلنا لا طائل في السمع والأبصار إلا بما يؤديان إلى القلب ليكون القلب هو القاضي فيه والمتحكم عليه، وقال تعالى: * (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء) * (الأحقاف: 26) فجعل هذه الثلاثة تمام ما ألزمهم من حجته، والمقصود من ذلك هو الفؤاد القاضي فيما يؤدي إليه السمع والبصر وخامسها: قوله تعالى: * (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم) * (البقرة: 7) فجعل العذاب لازما على هذه الثلاثة وقال: * (لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها) * (الأعراف: 179) وجه الدلالة أنه قصد إلى نفي العلم عنهم رأسا، فلو ثبت العلم في غير القلب كثباته في القلب لم يتم الغرض فهذه الآيات ومشاكلها ناطقة بأجمعها أن القلب هو المقصود بإلزام الحجة، وقد بينا أن ما قرن بذكره من ذكر السمع والبصر فذلك لأنهما آلتان للقلب في تأدية صور المحسوسات والمسموعات.
وأما الحديث فما روى النعمان بن بشير قال سمعته عليه السلام يقول: " ألا وإن في الجسد مضغة