تعالى أنهم ما أرادوا شيئا سوى الوصول إلى حضرته، وأنهم ما آمنوا رغبة في ثواب أو رهبة من عقاب، وإنما مقصودهم محض الوصول إلى مرضاته والاستغراق في أنوار معرفته، وهذا أعلى درجات الصديقين الجواب الثاني: قولهم: * (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا) * فهو إشارة منهم إلى الكفر والسحر وغيرهما، والطمع في هذا الموضع يحتمل اليقين كقول إبراهيم * (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين) * (الشعراء: 82) ويحتمل الظن لأن المرء لا يعلم ما سيجيء من بعد.
أما قوله: * (أن كنا أول المؤمنين) * فالمراد لأن كنا أول المؤمنين من الجماعة الذين حضروا ذلك الموقف، أو يكون المراد من السحرة خاصة، أو من رعية فرعون أو من أهل زمانهم، وقرئ (إن كنا) بالكسر، وهو من الشرط الذي يجيء به المدل (بأمره لصحته وهم كانوا متحققين أنهم أول المؤمنين)، ونظيره قول (القائل) لمن يؤخر جعله: إن كنت عملت لك فوفني حقي.
قوله تعالى * (وأوحينآ إلى موسى أن أسر بعبادى إنكم متبعون * فأرسل فرعون فى المدآئن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغآئظون * وإنا لجميع حاذرون * فأخرجناهم من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * كذلك وأورثناها بنى إسراءيل * فأتبعوهم مشرقين * فلما ترآءا الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا إن معى ربى سيهدين) *.
قرىء * (أسر) * بقطع الهمزة ووصلها وسر. لما ظهر أمر موسى عليه السلام بما شاهدوه من الآية، أمره الله تعالى بأن يخرج ببني إسرائيل لما كان في المعلوم من تدبير الله تعالى في موسى وتخليصه من القوم وتمليكه بلادهم وأموالهم، ولم يأمن وقد جرت تلك الغلبة الظاهرة أن يقع من فرعون ببني إسرائيل ما يؤدي إلى الاستئصال، فلذلك أمره الله تعالى أن يسري ببني إسرائيل،