بأسكم أي من الجرح والقتل والسيف والسهم والرمح.
المسألة الخامسة: فيه دلالة على أن أول من عمل الدرع داود ثم تعلم الناس منه، فتوارث الناس عنه ذلك. فعمت النعمة بها كل المحاربين من الخلق إلى آخر الدهر، فلزمهم شكر الله تعالى على النعمة فقال: * (فهل أنتم شاكرون) * أي اشكروا الله على ما يسر عليكم من هذه الصنعة، واعلم أنه سبحانه لما ذكر النعم التي خص داود بها ذكر بعده النعم التي خص بها سليمان عليه السلام، وقال قتادة: ورث الله تعالى سليمان من داود ملكه ونبوته وزاده عليه أمرين سخر له الريح والشياطين. الإنعام الأول: قوله تعالى: * (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره) * أي جعلناها طائعة منقادة له بمعنى أنه إن أرادها عاصفة كانت عاصفة وإن أرادها لينة كانت لينة والله تعالى مسخرها في الحالتين، فإن قيل: العاصف الشديدة الهبوب، وقد وصفها الله تعالى بالرخاوة في قوله: * (رخاء حيث أصاب) * فكيف يكون الجمع بينهما. والجواب: من وجهين: الأول: أنها كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم، فإذا مرت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة على ما قال: * (غدوها شهر ورواحها شهر) * وكانت جامعة بين الأمرين رخاء في نفسها وعاصفة في عملها مع طاعتها لسليمان عليه السلام وهبوبها على حسب ما يريد ويحكم آية إلى آية ومعجزة إلى معجزة. الثاني: أنها كانت في وقت رخاء وفي وقت عاصفا، لأجل هبوبها على حكم إرادته.
المسألة السادسة: قرىء الريح والرياح بالرفع والنصب فيهما فالرفع على الابتداء والنصب للعطف على الجبال، فإن قيل: قال في داود: * (وسخرنا مع داود الجبال) * وقال في حق سليمان: * (ولسليمان الريح) * فذكره في حق داود عليه السلام بكلمة مع وفي حق سليمان عليه السلام باللام وراعى هذا الترتيب أيضا في قوله: * (يا جبال أوبي معه والطير) * وقال: * (فسخرنا له الريح تجري بأمره) * فما الفائدة في تخصيص داود عليه السلام بلفظ مع، وسليمان باللام قلنا يحتمل أن الجبل لما اشتغل بالتسبيح حصل له نوع شرف، فما أضيف إليه بلام التمليك، أما الريح فلم يصدر عنه إلا ما يجري مجرى الخدمة، فلا جرم أضيف إلى سليمان بلام التمليك، وهذا إقناعي.
أما قوله: * (إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين) * أي إلى المضي إلى بيت المقدس، قال الكلبي: كانت تسير في إصطخر إلى الشام يركب عليها سليمان وأصحابه.
أما قوله: * (وكنا بكل شيء عالمين) * أي لعلمنا بالأشياء صح منا أن ندبر هذا التدبير في رسلنا وفي خلقنا، وأن نفعل هذه المعجزات القاهرة.
الإنعام الثاني: قوله تعالى: * (ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا دون ذلك وكنا لهم حافظين) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: المراد أنهم يغوصون له في البحار فيستخرجون الجواهر ويتجاوزون ذلك إلى الأعمال والمهن وبناء المدن والقصور واختراع الصنائع العجيبة كما قال: * (يعملون