يا موسى) * خطاب من الله تعالى مع موسى عليه السلام بلا واسطة، ولم يحصل ذلك لمحمد صلى الله عليه وسلم فيلزم أن يكون موسى أفضل من محمد. الجواب من وجهين: الأول: أنه تعالى كما خاطب موسى فقد خاطب محمدا عليه السلام في قوله: * (فأوحى إلى عبده ما أوحى) * (النجم: 10) إلا أن الفرق بينهما أن الذي ذكره مع موسى عليه السلام أفشاه الله إلى الخلق، والذي ذكره مع محمد صلى الله عليه وسلم كان سرا لم يستأهل له أحد من الخلق. والثاني: إن كان موسى تكلم معه وهو (تكلم) مع موسى فأمة محمد صلى الله عليه وسلم يخاطبون الله في كل يوم مرات على ما قال صلى الله عليه وسلم: " المصلي يناجي ربه " والرب يتكلم مع آحاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة بالتسليم والتكريم والتكليم في قوله: * (سلام قولا من رب رحيم) * (يس: 58). السؤال الثالث: ما إعراب قوله: * (وما تلك بيمينك يا موسى) * الجواب، قال صاحب " الكشاف ": (تلك بيمينك) كقوله: * (وهذا بعلي شيخا) * (هود: 72) في انتصاب الحال بمعنى الإشارة ويجوز أن يكون تلك اسما موصولا وصلته * (بيمينك) * قال الزجاج: معناه وما التي بيمينك، قال الفراء: معناه ما هذه التي في يمينك، واعلم أنه سبحانه لما سأل موسى عليه السلام عن ذلك أجاب موسى عليه السلام بأربعة أشياء، ثلاثة على التفصيل وواحد على الإجمال. الأول: قوله: * (هي عصاي) * قرأ ابن أبي إسحق: (هي عصي) ومثلها: (يا بشرى) قرأ الحسن (هي عصاي) بسكون الياء والنكث ههنا ثلاثة. إحداها: أنه قال: * (هي عصاي) * فذكر العصا ومن كان قلبه مشغولا بالعصا ومنافعها كيف يكون مستغرقا في بحر معرفة الحق ولكن محمدا صلى الله عليه وسلم عرض عليه الجنة والنار فلم يلتفت إلى شيء: * (ما زاغ البصر وما طغى) * (النجم: 17) ولما قيل له امدحنا، قال: " لا أحصي ثناء عليك " ثم نسي نفسه ونسي ثناءه فقال: " أنت كما أثنيت على نفسك ". وثانيها: لما قال: * (عصاي) * قال الله سبحانه وتعالى: * (ألقها) *، فلما ألقاها * (فإذا هي حية تسعى) * ليعرف أن كل ما سوى الله فالالتفات إليه شاغل وهو كالحية المهلكة لك. ولهذا قال الخليل عليه السلام: * (فإنهم عدو لي إلا رب العالمين) * وفي الحديث: " يجاء يوم القيامة بصاحب المال الذي لم يؤد زكاته ويؤتي بذلك المال على صورة شجاع أقرع " الحديث بتمامه. وثالثها: أنه قال هي عصاي فقد تم الجواب، إلا أنه عليه السلام ذكر الوجوه الأخر لأنه كان يحب المكالمة مع ربه فجعل ذلك كالوسيلة إلى تحصيل هذا الغرض. الثاني: قوله: * (أتوكأ عليها) * والتوكي، والإتكاء، واحد كالتوقي، والإتقاء معناه اعتمد عليها إذا عييت أو وقفت على رأس القطيع أو عند الطفرة فجعل موسى عليه السلام نفسه متوكئا على العصا وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: " اتكئ على رحمتي " بقوله تعالى: * (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) * (الأنفال: 64) وقال: * (والله يعصمك من الناس) * (المائدة: 67) فإن قيل: أليس قوله: * (ومن اتبعك من المؤمنين) * يقتضي كون محمد يتوكأ على المؤمنين؟ قلنا قوله: * (ومن اتبعك من المؤمنين) * معطوف على الكاف في قوله: * (حسبك الله) * والمعنى الله حسبك، وحسب من اتبعك من المؤمنين. الثالث: قوله: * (وأهش بها على غنمي) * أي أخبط بها فأضرب أغصان الشجر ليسقط ورقها على غنمي فتأكله. وقال أهل
(٢٦)