واحد منهما من النعم. أما النعمة المشتركة فهي القصة المذكورة وهي قصة الحكومة، ووجه النعمة فيها أن الله تعالى زينهما بالعلم والفهم في قوله: * (وكلا آتينا حكما وعلما) * ثم في هذا تنبيه على أن العلم أفضل الكمالات وأعظمها، وذلك لأن الله تعالى قدم ذكره ههنا على سائر النعم الجليلة مثل تسخير الجبال والطير والريح والجن. وإذا كان العلم مقدما على أمثال هذه الأشياء فما ظنك بغيرها وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال ابن السكيت النفش أن تنتشر الغنم بالليل ترعى بلا راع، وهذا قول جمهور المفسرين، وعن الحسن أنه يجوز ذلك ليلا ونهارا.
المسألة الثانية: أكثر المفسرين على أن الحرث هو الزرع، وقال بعضهم: هو الكرم والأول أشبه بالعرف.
المسألة الثالثة: احتج من قال: أقل الجمع اثنان بقوله تعالى: * (وكنا لحكمهم شاهدين) * مع أن المراد داود وسليمان. جوابه: أن الحكم كما يضاف إلى الحاكم فقد يضاف إلى المحكوم له، فإذا أضيف الحكم إلى المتحاكمين كان المجموع أكثر من الاثنين، وقرئ وكنا لحكمهما شاهدين.
المسألة الرابعة: في كيفية القصة وجهان. الأول: قال أكثر المفسرين: دخل رجلان على داود عليه السلام، أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم فقال صاحب الحرث: إن غنم هذا دخلت حرثي وما أبقت منه شيئا، فقال داود عليه السلام: اذهب فإن الغنم لك. فخرجا فمرا على سليمان، فقال: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه: فقال: لو كنت أنا القاضي لقضيت بغير هذا. فأخبر بذلك داود عليه السلام فدعاه وقال: كيف كنت تقضي بينهما، فقال: ادفع الغنم إلى صاحب الحرث فيكون له منافعها من الدر والنسل والوبر حتى إذا كان الحرث من العام المستقبل كهيئته يوم أكل دفعت الغنم إلى أهلها وقبض صاحب الحرث حرثه. الثاني: قال ابن مسعود وشريح ومقاتل رحمهم الله: أن راعيا نزل ذات ليلة بجنب كرم، فدخلت الأغنام الكرم وهو لا يشعر فأكلت القضبان وأفسدت الكرم، فذهب صاحب الكرم من الغد إلى داود عليه السلام فقضى له بالغنم لأنه لم يكن بين ثمن الكرم وثمن الغنم تفاوت، فخرجوا ومروا بسليمان فقال لهم: كيف قضى بينكما؟ فأخبراه به، فقال غير هذا أرفق بالفريقين، فأخبر داود عليه السلام بذلك فدعا سليمان وقال له: بحق الأبوة والنبوة إلا أخبرتني بالذي هو أرفق بالفريقين، فقال: تسلم الغنم إلى صاحب الكرم حتى يرتفق بمنافعها ويعمل الراعي في إصلاح الكرم حتى يصير كما كان، ثم ترد الغنم إلى صاحبها، فقال داود عليه السلام: إنما القضاء ما قضيت وحكم بذلك. قال ابن عباس رضي الله عنهما: حكم سليمان بذلك وهو ابن إحدى عشرة سنة، وههنا أمور ولا بد من البحث عنها.
السؤال الأول: هل في الآية دلالة على أنهما عليهما السلام اختلفا في الحكم أم لا؟ فإن أبا بكر الأصم قال: إنهما لم يختلفا البتة، وأنه تعالى بين لهما الحكم لكنه بينه على لسان سليمان عليه السلام. الجواب: الصواب أنهما اختلفا والدليل إجماع الصحابة والتابعين رضي الله عنهم على