إنذار الكل وتبشير الكل وبتقدير أنه يكون خالق الكفر والإيمان هو الله تعالى لم يبق للإنذار والتبشير معنى لأنه تعالى إذا خلق الإيمان فيه حصل شاء أو لم يشأ وإذا خلق الكفر فيه حصل شاء أو لم يشاء فبقي الإنذار والتبشير على الكفر والإيمان جاريا مجرى الإنذار والتبشير على كونه طويلا قصيرا وأسود وأبيض مما لا قدرة له عليه. والرابع: وصفه المؤمنين بأنهم يعملون الصالحات فإن كان ما وقع خلق الله تعالى فلا عمل لهم البتة. الخامس: إيجابه لهم الأجر الحسن على ما عملوا فإن كان الله تعالى يخلق ذلك فيهم فلا إيجاب ولا استحقاق.
المسألة الرابعة: قال قوله: * (لينذر) * يدل على أنه تعالى إنما يفعل أفعاله لأغراض صحيحة وذلك يبطل قول من يقول إن فعله غير معلل بالغرض، واعلم أن هذه الكلمات قد تكررت في هذا الكتاب فلا فائدة في الإعادة.
قوله تعالى * (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا * ما لهم به من علم ولا لابآئهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا * فلعلك باخع نفسك على ءاثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) * في الآية مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن قوله تعالى: * (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) * معطوف على قوله: * (لينذر بأسا شديدا من لدنه) * (الكهف: 2) والمعطوف يجب كونه مغايرا للمعطوف عليه فالأول عام في حق كل من استحق العذاب. والثاني خاص بمن أثبت لله ولدا، وعادة القرآن جارية بأنه إذا ذكر قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها تنبيها على كونه أعظم جزئيات ذلك الكلي كقوله تعالى: * (وملائكته ورسله وجبريل وميكال) * (البقرة: 98) فكذا ههنا العطف يدل على أن أقبح أنواع الكفر والمعصية إثبات الولد لله تعالى.
المسألة الثانية: الذين أثبتوا الولد لله تعالى ثلاث طوائف. أحدها: كفار العرب الذين قالوا: الملائكة بنات الله. وثانيها: النصارى حيث قالوا: المسيح ابن الله. وثالثها: اليهود الذين قالوا: عزيز ابن الله، والكلام في أن إثبات الولد لله كفر عظيم ويلزم منه محالات عظيمة قد ذكرناه في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى: * (وخرقوا له بنين وبنات بغير علم) * (الأنعام: 10) وتمامه مذكور في سورة مريم، ثم إنه تعالى أنكر على القائلين بإثبات الولد لله تعالى من وجهين. الأول: قوله: * (ما لهم