إما أن يظهر في الباطن أو في الظاهر، والضعف الذي يظهر في الباطن يكون أقوى مما يظهر في الظاهر فلهذا السبب ابتدأ ببيان الضعف الذي في الباطن وهو قوله: * (وهن العظم مني) * وتقريره هو أن العظام أصلب الأعضاء التي في البدن وجعلت كذلك لمنفعتين: إحداهما: لأن تكون أساسا وعمدا يعتمد عليها سائر الأعضاء الأخر إذ كانت الأعضاء كلها موضوعة على العظام والحامل يجب أن يكون أقوى من المحمول. والثانية: أنه احتيج إليها في بعض المواضع لأن تكون جنة يقوى بها ما سواها من الأعضاء بمنزلة قحف الرأس وعظام الصدر، وما كان كذلك فيجب أن يكون صلبا ليكون صبورا على ملاقاة الآفات بعيدا من القبول لها إذا ثبت هذا فنقول: إذا كان العظم أصلب الأعضاء فمتى وصل الأمر إلى ضعفها كان ضعف ما عداها مع رخاوتها أولى، ولأن العظم إذا كان حاملا لسائر الأعضاء كان تطرق الضعف إلى الحامل موجبا لتطرقه إلى المحمول فلهذا السبب خص العظم بالوهن من بين سائر الأعضاء وأما أثر الضعف في الظاهر فذلك استيلاء الشيب على الرأس فثبت أن هذا الكلام يدل على استيلاء الضعف على الباطن والظاهر وذلك مما يزيد الدعاء توكيدا لما فيه من الارتكان على حول الله وقوته والتبري عن الأسباب الظاهرة. المقام الثاني: أنه ما كان مردود الدعاء البتة ووجه التوسل به من وجهين: أحدهما: ما روي أن محتاجا سأل واحدا من الأكابر وقال: أنا الذي أحسنت إلى وقت كذا، فقال: مرحبا بمن توسل بنا إلينا ثم قضى حاجته. وذلك أنه إذا قبله أولا فلو أنه رده ثانيا لكان الرد محبطا للأنعام الأول والمنعم لا يسعى في إحباط أنعامه. والثاني: وهو أن مخالفة العادة شاقة على النفس فإذا تعود الإنسان إجابة الدعاء فلو صار مردودا بعد ذلك لكان في غاية المشقة ولأن الجفاء ممن يتوقع منه الإنعام يكون أشق فقال زكرياء عليه السلام إنك ما رددتني في أول الأمر مع أني ما تعودت لطفك وكنت قوي البدن قوي القلب فلو رددتني الآن بعد ما عودتني القبول مع نهاية ضعفي لكان ذلك بالغا إلى الغاية القصوى في ألم القلب، واعلم أن العرب تقول سعد فلان بحاجته إذا ظفر بها وشقي بها إذا خاب ولم ينلها ومعنى بدعائك أي بدعائي إياك فإن الفعل قد يضاف إلى الفاعل تارة وإلى المفعول أخرى. المقام الثالث: بيان كون المطلوب منتفعا به في الدين وهو قوله: * (وإني خفت الموالي من ورائي) * وفيه أبحاث: الأول: قال ابن عباس والحسن: إني خفت الموالي أي الورثة من بعدي وعن مجاهد العصبة وعن أبي صالح الكلالة وعن الأصم بنو العم وهم الذين يلونه في النسب وعن أبي مسلم المولي يراد به الناصر وابن العم والمالك والصاحب وهو ههنا من يقوم بميراثه مقام الولد، والمختار أن المراد من الموالي الذين يخلفون بعده إما في السياسة أو في المال الذي كان له أو في القيام بأمر الدين فقد كانت العادة جارية أن كل من كان إلى صاحب الشرع أقرب فإنه كان متعينا في الحياة. الثاني: اختلفوا في خوفه من الموالي فقال بعضهم: خافهم على إفساد الدين، وقال بعضهم بل خاف أن ينتهي أمره إليهم بعد موته في مال وغيره مع أنه عرف من حالهم قصورهم في
(١٨٢)