أفتتخذون إبليس وذريته أولياء من دون الله، لأن الداعي لهم إلى ترك دين محمد صلى الله عليه وسلم هو النخوة وإظهار العجب. فهذا يدل على أن كل من أقدم على عمل أو قول بناء على هذا الداعي فهو متبع لإبليس حتى أن من كان غرضه في إظهار العلم والمناظرة التفاخر والتكبر والترفع فهو مقتد بإبليس وهو مقام صعب غرق فيه أكثر الخلق فنسأل الله الخلاص منه ثم قال تعالى: * (بئس للظالمين بدلا) * أي بئس البدل من الله إبليس لمن استبدله به فأطاعه بدل طاعته، ثم قال: * (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) * وفيه مسألتان: المسألة الأولى: اختلفوا في أن الضمير في قوله: * (ما أشهدتهم) * إلى من يعود؟ فيه وجوه: أحدها: وهو الذي ذهب إليه الأكثرون أن المعنى ما أشهدت الذي اتخذتموهم أولياء خلق السماوات والأرض ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله: * (اقتلوا أنفسكم) * (النساء: 66) يعني ما أشهدتهم لأعتضد بهم والدليل عليه قوله: * (وما كنت متخذ المضلين عضدا) * أي وما كنت متخذهم فوضع الظاهر موضع المضمر بيانا لإضلالهم وقوله: * (عضدا) * أي أعوانا. وثانيها: وهو أقرب عندي أن الضمير عائد إلى الكفار الذين قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم إن لم تطرد من مجلسك هؤلاء الفقراء لم نؤمن بك فكأنه تعالى قال: إن هؤلاء الذين أتوا بهذا الاقتراح الفاسد والتعنت الباطل ما كانوا شركاء لي في تدبير العالم بدليل قوله تعالى: * (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) * ولا اعتضدت بهم في تدبير الدنيا والآخرة، بل هم قوم كسائر الخلق، فلم أقدموا على هذا الاقتراح الفاسد؟ ونظيره أن من اقترح عليك اقتراحات عظيمة فإنك تقول له لست بسلطان البلد ولا ذرية المملكة حتى نقبل منك هذه الاقتراحات الهائلة، فلم تقدم عليها والذي يؤكد هذا أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات. وفي هذه الآية المذكورة الأقرب هو ذكر أولئك الكفار وهو قوله تعالى: * (بئس للظالمين بدلا) * والمراد بالظالمين أولئك الكفار. وثالثها: أن يكون المراد من قوله: * (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) * كون هؤلاء الكفار جاهلين بما جرى به القلم في الأزل من أحوال السعادة والشقاوة. فكأنه قيل لهم السعيد من حكم الله بسعادته في الأزل والشقي من حكم الله بشقاوته في الأزل، وأنتم غافلون عن أحوال الأزل كأنه تعالى قال: * (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم) * وإذا جهلتم هذه الحالة فكيف يمكنكم أن تحكموا لأنفسكم بالرفعة والعلو والكمال ولغيركم بالدناءة والذل، بل ربما صار الأمر في الدنيا والآخرة على العكس فيما حكمتم به.
المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف " قرىء وما كنت بالفتح، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى وما صح لك الاعتضاد بهم، وما ينبغي لك أن تعتز بهم. وقرأ علي رضوان الله عليه: * (متخذا المضلين) * بالتنوين على الأصل. وقرأ الحسن: * (عضدا) * بسكون الضاد ونقل ضمتها إلى العين، وقرئ: * ( عضدا) * بالفتح وسكون الضاد * (وعضدا) * بضمتين * (وعضدا) *