جسما حيوانيا بل المراد أنه لا موت البتة بعد ذلك وأما قوله: * (وهم في غفلة) * أي عن ذلك اليوم وعن كيفية حسرته وهم لا يؤمنون أي بذلك اليوم ثم قال بعده: * (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) * أي هذه الأمور تؤول إلى أن لا يملك الضر والنفع إلا الله تعالى: * (وإلينا يرجعون) * أي إلى محل حكمنا وقضائنا لأنه تعالى منزه عن المكان حتى يكون الرجوع إليه وهذا تخويف عظيم وزجر بليغ للعصاة.
القصة الثالثة: قصة إبراهيم عليه السلام.
قوله تعالى * (واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا * إذ قال لابيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا * يا أبت إنى قد جآءنى من العلم ما لم يأتك فاتبعنى أهدك صراطا سويا * يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا * يا أبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا) * اعلم أن الغرض من هذه السورة بيان التوحيد والنبوة والحشر، والمنكرون للتوحيد هم الذين أثبتوا معبودا سوى الله تعالى، وهؤلاء فريقان: منهم من أثبت معبودا غير الله حيا عاقلا فاهما وهم النصارى، ومنهم من أثبت معبودا غير الله جمادا ليس بحي ولا عاقل ولا فاهم وهم عبدة الأوثان والفريقان وإن اشتركا في الضلال إلا أن ضلال الفريق الثاني أعظم فلما بين تعالى ضلال الفريق الأول تكلم في ضلال الفريق الثاني وهم عبدة الأوثان فقال: * (واذكر في الكتاب) * والواو في قوله واذكر عطف على قوله: * (ذكر رحمة ربك عبده زكريا) * كأنه لما انتهت قصة عيسى وزكريا عليهما السلام قال قد ذكرت حال زكريا فاذكر حال إبراهيم وإنما أمر بذكره لأنه عليه السلام ما كان هو ولا قومه ولا أهل بلدته مشتغلين بالعلم ومطالعة الكتب فإذا أخبر عن هذه القصة كما كانت من غير زيادة ولا نقصان كان ذلك إخبارا عن الغيب الغيب ومعجزا قاهرا دالا على نبوته. وإنما شرع في قصة إبراهيم عليه السلام لوجوه: أحدها: أن إبراهيم عليه السلام كان أب العرب وكانوا مقرين