المسألة الثانية: قرأ حمزة والكسائي ثلثمائة سنين بغير تنوين والباقون بالتنوين وذلك لأن قوله: * (سنين) * عطف بيان لقوله: * (ثلثمائة) * لأنه لما قال: * (ولبثوا في كهفهم ثلثمائة) * لم يعرف أنها أيام أم شهور أم سنون فلما قال سنين صار هذا بيانا لقوله: * (ثلثمائة) * فكان هذا عطف بيان له وقيل هو على التقديم والتأخير أي لبثوا سنين ثلثمائة. وأما وجه قراءة حمزة فهو أن الواجب في الإضافة ثلثمائة سنة إلا أنه يجوز وضع الجمع موضع الواحد في التمييز كقوله: * (بالأخسرين أعمالا) * (الكهف: 103).
المسألة الثالثة: قوله: * (وازدادوا تسعا) *؟ المعنى وازدادوا تسع سنين فإن قالوا: لم لم يقل ثلثمائة وتسع سنين؟ وما الفائدة في قوله * (وازدادوا تسعا) *؟ قلنا: قال بعضهم: كانت المدة ثلثمائة سنة من السنين الشمسية وثلثمائة وتسع سنين من القمرية، وهذا مشكل لأنه لا يصح بالحساب هذا القول، ويمكن أن يقال: لعلهم لما استكملوا ثلثمائة سنة قرب أمرهم من الأنبياء ثم اتفق ما أوجب بقاءهم في النوم بعد ذلك تسع سنين ثم قال: * (قل الله أعلم بما لبثوا) * معناه أنه تعالى أعلم بمقدار هذه المدة من الناس الذين اختلفوا فيها، وإنما كان أولى بأن يكون عالما به لأنه موجد للسموات والأرض ومدبر للعالم، وإذا كان كذلك كان عالما بغيب السماوات والأرض فيكون عالما بهذه الواقعة لا محالة ثم قال تعالى: * (أبصر به وأسمع) * وهذه كلمة تذكر في التعجب، والمعنى ما أبصره وما أسمعه، وقد بالغنا في تفسير كلمة التعجب في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: * (فما أصبرهم على النار) * (البقرة: 175) ثم قال تعالى: * (ما لهم من دونه من ولي) * وفيه وجوه. الأول: ما لأصحاب الكهف من دون الله من ولي فإنه هو الذي يتولى حفظهم في ذلك النوم الطويل. الثاني: ليس لهؤلاء المختلفين في مدة لبث أهل الكهف ولي من دون الله يتولى أمرهم ويقيم لهم تدبير أنفسهم فإذا كانوا محتاجين إلى تدبير الله وحفظه فكيف يعلمون هذه الواقعة من غير أعلامه. الثالث: أن بعض القوم لما ذكروا في هذا الباب أقوالا على خلاف قول الله فقد استوجبوا العقاب، فبين الله أنه ليس لهم من دونه ولي يمنع الله من إنزال العقاب عليهم. ثم قال: * (ولا يشرك في حكمه أحدا) * والمعنى أنه تعالى لما حكم أن لبثهم هو هذا المقدار فليس لأحد أن يقول قولا بخلافه. والأصل أن الاثنين إذا كانا لشريكين فإن الاعتراض من كل واحد منهما على صاحبه يكثر ويصير ذلك مانعا لكل واحد منهما من إمضاء الأمر على وفق ما يريده. وحاصله يرجع إلى قوله تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) فالله تعالى نفى ذلك عن نفسه بقوله تعالى: * (ولا يشرك في حكمه أحدا) * وقرأ ابن عامر ولا تشرك بالتاء والجزم على النهي والخطاب عطفا على قوله: * (ولا تقولن لشيء) * أو على قوله: * (واذكر ربك إذا نسيت) * والمعنى ولا تسأل أحدا عما أخبرك الله به من عدة أصحاب الكهف واقتصر على حكمه وبيانه ولا تشرك أحدا في طلب معرفة تلك الواقعة وقرأ الباقون بالياء والرفع على الخبر والمعنى أنه تعالى لا يفعل ذلك.