الثواب والجنة يتوقف على الخاتمة، والدليل عليه قوله تعالى: * (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) * ولم يقل من عمل حسنة فله عشر أمثالها، وهذا يدل على أن استحقاق الثواب مستفاد من الخاتمة لا من أول العمل، والذي يؤكد ذلك أنه لو مضى عمره في الكفر ثم أسلم في آخر الأمر كان من أهل الثواب وبالضد، وهذا دليل على أن العبرة بالخاتمة لا بأول العمل، ولهذا قال تعالى: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف) * فثبت أن العبرة في الولاية والعداوة وكونه من أهل الثواب أو من أهل العقاب بالخاتمة، فظهر أن الخاتمة غير معلومة لأحد، فوجب القطع بأن الولي لا يعلم كونه وليا، أما الذين قالوا إن الولي قد يعرف كونه وليا فقد احتجوا على صحة قولهم بأن الولاية لها ركنان. أحدهما: كونه في الظاهر منقادا للشريعة. الثاني: كونه في الباطن مستغرقا في نور الحقيقة، فإذا حصل الأمران وعرف الإنسان حصولهما عرف لا محالة كونه وليا، أما الانقياد في الظاهر للشريعة فظاهر، وأما استغراق الباطن في نور الحقيقة فهو أن يكون فرحه بطاعة الله واستئناسه بذكر الله، وأن لا يكون له استقرار مع شيء سوى الله. والجواب: أن تداخل الأغلاط في هذا الباب كثيرة غامضة والقضاء عسر، والتجربة خطر، والجزم غرور. ودون الوصول إلى عالم الربوبية أستار، تارة من النيران، وأخرى من الأنوار، والله العالم بحقائق الأسرار، ولنرجع إلى التفسير.
* (نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية ءامنوا بربهم وزدناهم هدى * وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والارض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا * هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه ءالهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * اعلم أنه تعالى ذكر من قبل جملة من واقعتهم ثم قال: * (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) * أي على وجه الصدق: * (إنهم فتية آمنوا بربهم) * كانوا جماعة من الشبان آمنوا بالله، ثم قال تعالى في صفاتهم: * (وربطنا على قلوبهم) * أي ألهمناها الصبر وثبتناها: * (إذ قاموا) * وفي هذا القيام أقوال: الأول: قال مجاهد كانوا عظماء مدينتهم فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد، فقال رجل منهم أكبر القوم إني لأجد