في صورة الملائكة لنفرت عنه ولم تقدر على استماع كلامه ثم ههنا إشكالات. أحدهما: وهو أنه لو جاز أن يظهر الملك في صورة إنسان معين فحينئذ لا يمكننا القطع بأن هذا الشخص الذي أراه في الحال هو زيد الذي رأيته بالأمس لاحتمال أن الملك أو الجني تمثل في صورته وفتح هذا الباب يؤدي إلى السفسطة، لا يقال هذا إنما يجوز في زمان جواز البعثة فأما في زماننا هذا فلا يجوز لأنا نقول هذا الفرق إنما يعلم بالدليل، فالجاهل بذلك الدليل يجب أن لا يقطع بأن هذا الشخص الذي أراه الآن هو الشخص الذي رأيته بالأمس. وثانيها: أنه جاء في الأخبار أن جبريل عليه السلام شخص عظيم جدا فذلك الشخص العظيم كيف صار بدنه في مقدار جثة الإنسان أبأن تساقطت أجزاؤه وتفرقت بنيته فحينئذ لا يبقى جبريل أو بأن تداخلت أجزاؤه وذلك يوجب تداخل الأجزاء وهو محال. وثالثها: وهو أنا لو جوزنا أن يتمثل جبريل عليه السلام في صورة الآدمي فلم لا يجوز تمثله في صورة جسم أصغر من الآدمي حتى الذباب والبق والبعوض ومعلوم أن كل مذهب جر إلى ذلك فهو باطل. ورابعها: أن تجويزه يفضي إلى القدح في خبر التواتر فلعل الشخص الذي حارب يوم بدر لم يكن محمدا بل كان شخصا آخر تشبه به وكذا القول في الكل. والجواب عن الأول أن ذلك التجويز لازم على الكل لأن من اعترف بافتقار العالم إلى الصانع المختار فقد قطع بكونه تعالى قادرا على أن يخلق شخصا آخر مثل زيد في خلقته وتخطيطه وإذا جوزنا ذلك فقد لزم الشك في أن زيدا المشاهد الآن هو الذي شاهدناه بالأمس أم لا، ومن أنكر الصانع المختار وأسند الحوادث إلى اتصالات الكواكب وتشكلات الفلك لزمه تجويز أن يحدث اتصال غريب في الأفلاك يقتضي حدوث شخص مثل زيد في كل الأمور وحينئذ يعود التجويز المذكور. " وعن الثاني ": أنه لا يمتنع أن يكون جبريل عليه السلام له أجزاء أصلية وأجزاء فاضلة والأجزاء الأصلية قليلة جدا فحينئذ يكون متمكنا من التشبه بصورة الإنسان، هذا إذا جعلناه جسمانيا أما إذا جعلناه روحانيا فأي استبعاد في أن يتدرع تارة بالهيكل العظيم وأخرى بالهيكل الصغير. " وعن الثالث ": أن أصل التجويز قائم في العقل وإنما عرف فساده بدلائل السمع وهو الجواب عن السؤال الرابع والله أعلم.
قوله تعالى * (قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) * وفيه وجوه: أحدها: أرادت أن كان يرجى منك أن تتقي الله ويحصل ذلك بالاستعاذة به فإني عائذة به منك وهذا في نهاية الحسن لأنها علمت أنه لا تؤثر الاستعاذة إلا في التقي وهو كقوله: * (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) * (البقرة: 278) أي أن شرط الإيمان يوجب هذا لا أن الله تعالى يخشى في حال دون حال. وثانيها: أن معناه