وهيئة أعضائه وأجزائه إلا أن هذا مشكل فإن الملائكة قد يتشبهون بصور الناس فها هنا صورة الإنسان حاصلة مع عدم الإنسانية وفي صورة المسخ معنى الإنسانية حاصل مع أن هذه الصورة غير حاصلة فقد بطل اعتبار هذا الشكل في حصول معنى الإنسانية طردا وعكسا. أما القسم الثالث: وهو أن يقال الإنسان موجود ليس بجسم ولا جسمانية فهو قول أكثر الإلهيين من الفلاسفة القائلين ببقاء النفس المثبتين للنفس معادا روحانيا وثوابا وعقابا وحسابا روحانيا وذهب إليه جماعة عظيمة من علماء المسلمين مثل الشيخ أبي القاسم الراغب الأصفهاني والشيخ أبي حامد الغزالي رحمهما الله، ومن قدماء المعتزلة معمر بن عباد السلمي، ومن الشيعة الملقب عندهم بالشيخ المفيد، ومن الكرامية جماعة، واعلم أن القائلين بإثبات النفس فريقان، الأول: وهم المحققون منهم من قال الإنسان عبارة عن هذا الجوهر المخصوص، وهذا البدن وعلى هذا التقدير فالإنسان غير موجود في داخل العالم ولا في خارجه وغير متصل في داخل العالم ولا في خارجه وغير متصل بالعالم ولا منفصل عنه، ولكنه متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف كما أن إله العالم لا تعلق له بالعالم إلا على سبيل التصرف والتدبير. والفريق الثاني: الذين قالوا النفس إذا تعلقت بالبدن اتحدت بالبدن فصارت النفس عين البدن، والبدن عين النفس ومجموعهما عند الاتحاد هو الإنسان فإذا جاء وقت الموت بطل هذا الاتحاد وبقيت النفس وفسد البدن فهذه جملة مذاهب الناس في الإنسان وكان ثابت بن قرة يثبت النفس ويقول إنها متعلقة بأجسام سماوية نورانية لطيفة غير قابلة للكون والفساد التفرق والتمزق وأن تلك الأجسام تكون سارية في البدن وما دام يبقى ذلك السريان بقيت النفس مدبرة للبدن فإذا انفصلت تلك الأجسام اللطيفة عن جوهر البدن انقطع تعلق النفس عن البدن.
المسألة الخامسة: في دلائل مثبتي النفس من ناحية العقل احتج القوم بوجوه كثيرة بعضها قوي وبعضها ضعيف والوجوه القوية بعضها قطعية وبعضها إقناعية فلنذكر الوجوه القطعية.
الحجة الأولى: لا شك أن الإنسان جوهر فإما أن يكون جوهرا متحيزا أو غير متحيز والأول باطل فتعين الثاني والذي يدل على أنه يمتنع أن يكون جوهرا متحيزا أنه لو كان كذلك لكان كونه متحيزا غير تلك الذات ولو كان كذلك لكان كل ما علم الإنسان ذاته المخصوصة وجب أن يعلم كونه متحيزا بمقدار مخصوص وليس الأمر كذلك فوجب أن لا يكون الإنسان جوهرا متحيزا فنفتقر في تقرير هذا الدليل إلى مقدمات ثلاثة. المقدمة الأولى: لو كان الإنسان جوهرا متحيزا لكان كونه متحيزا عين ذاته المخصوصة والدليل عليه أنه لو كان تحيزه صفة قائمة لكان ذلك المحل من حيث هو مع قطع النظر عن هذه الصفة. إما أن يكون متحيزا أو لا يكون والقسمان باطلان فبطل القول بكون التحيز صفة قائمة بالمحل إنما قلنا إنه يمتنع أن يكون محل التحيز لأنه يلزم كون الشيء الواحد متحيزا مرتين ولأنه يلزم اجتماع المثلين ولأنه ليس جعل أحدهما