أحوال مخلوقاتنا فلا تحسب ذلك فإن تلك الواقعة ليست عجيبة في جانب مخلوقاتنا، والعجب ههنا مصدر سمي المفعول به، والتقدير كانوا معجوبا منهم، فسموا بالمصدر والمفعول به من هذا يستعمل باسم المصدر، ثم قال تعالى: * (إذ أوى الفتية إلى الكهف) * لا يجوز أن يكون إذ هنا متعلقا بما قبله على تقدير أم حسبت إذ أوى الفتية لأنه كان بين النبي وبينهم مدة طويلة فلم يتعلق الحسبان بذلك الوقت الذي أووا فيه إلى الكهف بل يتعلق بمحذوف، والتقدير أذكر إذ أوى، ومعنى أوى الفتية في الكهف صاروا إليه وجعلوه مأواهم قال فقالوا: * (ربنا آتنا من لدنك رحمة) * أي رحمة من خزائن رحمتك وجلائل فضلك وإحسانك وهي الهداية بالمعرفة والصبر والرزق والأمن من الأعداء وقوله من لدنك يدل على عظمة تلك الرحمة وهي التي تكون لائقة بفضل الله تعالى وواسع جوده وهيئ لنا أي أصلح من قولك هيأت الأمر فتهيأ: * (من أمرنا رشدا) * الرشد والرشاد نقيض الضلال وفي تفسير اللفظ وجهان. الأول: التقدير وهيئ لنا أمرا ذا رشد حتى نكون بسببه راشدين مهتدين. الثاني: اجعل أمرنا رشدا كله كقولك رأيت منك رشدا ثم قال تعالى: * (فضربنا على آذانهم) * قال المفسرون: معناه أنمناهم وتقدير الكلام أنه تعالى ضرب على آذانهم حجابا يمنع من أن تصل إلى أسماعهم الأصوات الموقظة والتقدير ضربنا عليهم حجابا إلا أنه حذف المفعول الذي هو الحجاب كما يقال بنى على امرأته يريدون بنى عليها القبة ثم إنه تعالى بين أنه ضرب على آذانهم في الكهف وهو ظرف المكان وقوله سنين عددا ظرف الزمان وفي قوله عددا بحثان. الأول: قال الزجاج ذكر العدد ههنا يفيد كثرة السنين وكذلك كل شيء مما يعد إذا ذكر فيه العدد ووصف به أريد كثرته لأنه إذا قل فهم مقداره بدون التعديد أما إذا أكثر فهناك يحتاج إلى التعديد فإذا قلت أقمت أياما عددا أردت به الكثرة.
البحث الثاني: في انتصاب قوله عددا وجهان. أحدهما: نعت لسنين المعنى سنين ذات عدد أي معدودة هذا قول الفراء وقول الزجاج وعلى هذا يجوز في الآية ضربان من التقدير، أحدهما: حذف المضاف. والثاني: تسمية المفعول باسم المصدر. قال الزجاج: ويجوز أن ينتصب على المصدر، المعنى تعد عدا ثم قال تعالى: * (ثم بعثناهم) * يريد من بعد نومهم يعني أيقظناهم بعد نومهم وقوله: * (لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا) * فيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (ثم بعثناهم) * لنعلم اللام لام الغرض فيدل على أن أفعال الله معللة بالأغراض وقد سبق الكلام فيه.
المسألة الثانية: ظاهر اللفظ يقتضي أنه تعالى إنما بعثهم ليحصل له هذا العلم وعند هذا يرجع إلى أنه تعالى هل يعلم الحوادث قبل وقوعها أم لا، فقال هشام: لا يعلمها إلا عند حدوثها واحتج بهذه الآية والكلام فيه قد سبق، ونظائر هذه الآية كثيرة في القرآن منها ما سبق في هذه السورة ومنها قوله في سورة البقرة: * (إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه) * (البقرة: 143) وفي آل عمران