ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) * اعلم أن أكابر قريش اجتمعوا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أردت أن نؤمن بك فاطرد هؤلاء الفقراء من عندك، فإذا حضرنا لم يحضروا، وتعين لهم وقتا يجتمعون فيه عندك فأنزل الله تعالى: * (ولا تطرد الذين يدعون ربهم) * (الأنعام: 52) الآية فبين فيها إنه لا يجوز طردهم بل تجالسهم وتوافقهم وتعظم شأنهم ولا تلتفت إلى أقوال أولئك الكفار ولا تقيم لهم في نظرك وزنا سواء غابوا أو حضروا. وهذه القصة منقطعة عما قبلها وكلام مبتدأ مستقل. ونظير هذه الآية قد سبق في سورة الأنعام وهو قوله: * (ولا تطرد الذين يدعون بهم بالغداة والعشي) * (الأنعام: 52) ففي تلك الآية نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن طردهم وفي هذه الآية أمره بمجالستهم والمصابرة معهم فقوله: * (واصبر نفسك) * أصل الصبر الحبس ومنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة وهي البهيمة تحبس فترمي، أما قوله: * (مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) * ففيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ ابن عامر بالغدوة بضم الغين والباقون بالغداة وكلاهما لغة.
المسألة الثانية: في قوله: * (بالغداة والعشي) * وجوه: الأول: المراد كونهم مواظبين على هذا العمل في كل الأوقات كقول القائل: ليس لفلان عمل بالغداة والعشي إلا شتم الناس. الثاني: أن المراد صلاة الفجر والعصر. الثالث: المراد أن الغداة هي الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من النوم إلى اليقظة وهذا الانتقال شبيه بالانتقال من الموت إلى الحياة والعشي هو الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من اليقظة إلى النوم ومن الحياة إلى الموت والإنسان العاقل يكون في هذين الوقتين كثير الذكر لله عظيم الشكر لآلاء الله ونعمائه، ثم قال: * (ولا تعد عيناك عنهم) * يقال عداه إذا جاوزه ومنه قولهم عدا طوره وجاء القوم عدا زيدا وإنما عدي بلفظة عن لأنها تفيد المباعدة فكأنه تعالى نهى عن تلك المباعدة وقرى: * (ولا تعد عينيك) * ولا تعد عينيك من أعداه وعداه نقلا بالهمزة وتثقيل الحشو ومنه قوله شعر: فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له والمقصود من الآية أنه تعالى نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يزدري فقراء المؤمنين وأن تنبو عيناه عنهم لأجل رغبته في مجالسة الأغنياء وحسن صورتهم وقوله: * (تريد زينة الحياة الدنيا) * نصب في موضع الحال. يعني أنك (إن) فعلت ذلك لم يكن إقدامك عليه إلا لرغبتك في زينة الحياة الدنيا، ولما بالغ في أمره بمجالسة الفقراء من المسلمين بالغ في النهي عن الالتفات إلى أقوال الأغنياء والمتكبرين فقال: * (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) * وفيه مسائل: المسألة الأولى: احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى هو الذي يخلق الجهل والغفلة في قلوب الجهال لأن قوله: * (أغفلنا) * يدل على هذا المعنى، قالت المعتزلة: المراد بقوله تعالى: * (أغفلنا قلبه