الإنسان مغايرا لهذا البدن والدليل على صحة ما ذكرناه قوله تعالى: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) * (آل عمران: 169) فهذا النص صريح في أن أولئك المقتولين أحياء والحس يدل على أن هذا الجسد ميت.
الحجة السادسة: أن قوله تعالى: * (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا) * (غافر: 46) وقوله: * (أغرقوا فأدخلوا نارا) * (نوح: 25) يدل على أن الإنسان يحيا بعد الموت وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " أنبياء الله لا يموتون ولكن ينقلون من دار إلى دار " وكذلك قوله عليه السلام " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " من مات فقد قامت قيامته " كل هذه النصوص تدل على أن الإنسان يبقى بعد موت الجسد، وبديهة العقل والفطرة شاهدان بأن هذا الجسد ميت. ولو جوزنا كونه حيا جاز مثله في جميع الجمادات، وذلك عين السفسطة. وإذا ثبت أن الإنسان شيء وكان الجسد ميتا لزم أن الإنسان شيء غير هذا الجسد.
الحجة السابعة: قوله عليه السلام في خطبة طويلة له " حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش، ويقول يا أهلي ويا ولدي لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال من حله وغير حله فالغنى لغيري والتبعة علي فاحذروا مثل ما حل بي " وجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن حال ما يكون الجسد محمولا على النعش بقي هناك شيء ينادي ويقول يا أهلي ويا ولدي جمعت المال من حله وغير حله ومعلوم أن الذي كان الأهل أهلا له وكان جامعا للمال من الحرام والحلال والذي بقي في رقبته الوبال ليس إلا ذلك الإنسان فهذا تصريح بأن في الوقت الذي كان فيه الجسد ميتا محمولا كان ذلك الإنسان حيا باقيا فاهما وذلك تصريح بأن الإنسان شيء مغاير لهذا الجسد ولهذا الهيكل.
الحجة الثامنة: قوله تعالى: * (يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية) * (الفجر: 27، 28) والخطاب بقوله ارجعي إنما هو متوجه عليها حال الموت فدل هذا على أن الشيء الذي يرجع إلى الله بعد موت الجسد يكون حيا راضيا عن الله ويكون راضيا عنه الله والذي يكون راضيا ليس إلا الإنسان فهذا يدل على أن الإنسان بقي حيا بعد موت الجسد والحي غير الميت فالإنسان مغاير لهذا الجسد.
الحجة التاسعة: قوله تعالى: * (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون * ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق) * (الأنعام: 61، 62) أثبت كونهم مردودين إلى الله الذي هو مولاهم حال كون الجسد ميتا فوجب أن يكون ذلك المردود إلى الله مغايرا لذلك الجسد الميت.
الحجة العاشرة: نرى جميع فرق الدنيا من الهند والروم والعرب والعجم وجميع أرباب الملل والنحل من اليهود والنصارى والمجوس والمسلمين وسائر فرق العالم وطوائفهم يتصدقون عن موتاهم ويدعون لهم بالخير ويذهبون إلى زياراتهم، ولولا أنهم بعد موت الجسد بقوا