غير ثابتة في العدم إنما الثابت هو أعيان تلك الجواهر مفردة غير مركبة وهي ليست بإنسان فظهر أن الآية لا دلالة فيها على المطلوب. الفائدة السادسة: أن الله تعالى ذكر هذه القصة في سورة آل عمران وذكرها في هذا الموضع فلنعتبر حالها في الموضعين فنقول: الأول: أنه تعالى بين في هذه السورة أنه دعا ربه ولم يبين الوقت وبينه في آل عمران بقوله: * (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب * هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) * (آل عمران: 37، 38) والمعنى أن زكريا عليه السلام لما رأى خرق العادة في حق مريم عليها السلام طمع فيه في حق نفسه فدعا. الثاني: وهو أن الله تعالى صرح في آل عمران بأن المنادي هو الملائكة لقوله: * (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب) * (آل عمران: 39) وفي هذه السورة الأظهر أن المنادي بقوله: * (يا زكريا إنا نبشرك) * (مريم: 7) هو الله تعالى وقد بينا أنه لا منافاة بين الأمرين. الثالث: أنه قال في آل عمران: * (أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر) * (آل عمران: 40) فذكر أولا كبر نفسه ثم عقر المرأة وهو في هذه السورة قال: * (أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) * (مريم: 8) وجوابه أن الواو لا تقتضي الترتيب. الرابع: قال في آل عمران: * (وقد بلغني الكبر) * وقال ههنا وقد بلغت من الكبر وجوابه أن ما بلغك فقد بلغته. الخامس: قال في آل عمران: * (آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا) * (آل عمران: 41) وقال ههنا: * (ثلاث ليال سويا) * (مريم: 10) وجوابه: دلت الآيتان على أن المراد ثلاثة أيام بلياليهن والله أعلم. القصة الثانية: قصة مريم وكيفية ولادة عيسى عليه السلام اعلم أنه تعالى إنما قدم قصة يحيى على قصة عيسى عليهما السلام لأن خلق الولد من شيخين فانيين أقرب إلى مناهج العادات من تخليق الولد لا من الأب البتة وأحسن الطرق في التعليم والتفهيم الأخذ من الأقرب فالأقرب مترقيا إلى الأصعب فالأصعب.
قوله تعالى * (واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا * فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنآ إليهآ روحنا فتمثل لها بشرا سويا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: إذ بدل من مريم بدل اشتمال لأن الأحيان مشتملة على ما فيها وفيه أن المقصود بذكر مريم ذكر وقت هذا الوقوع لهذه القصة العجيبة فيه.
المسألة الثانية: النبذ أصله الطرح والإلقاء والانتباذ افتعال منه ومنه: * (فنبذوه وراء ظهورهم) * (آل عمران: 187) وانتبذت تنحت يقال جلس نبذة من الناس ونبذة بضم النون وفتحها أي ناحية وهذا إذا جلس قريبا منك حتى لو نبذت إليه شيئا وصل إليه ونبذت الشيء رميته ومنه النبيذ لأنه يطرح في الإناء