وتخافت بصلاة النهار. والقول الرابع: أن المراد بالصلاة الدعاء وهذا قول عائشة رضي الله عنها وأبي هريرة ومجاهد قالت عائشة رضي الله عنها هي في الدعاء وروى هذا مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية إنما ذلك في الدعاء والمسألة لا ترفع صوتك فتذكر ذنوبك فيسمع ذلك فتعير بها فالجهر بالدعاء منهي عنه والمبالغة في الإسرار غير جائزة والمستحب من ذلك التوسط وهو أن يسمع نفسه كما روي عن ابن مسعود أنه قال لم يخافت من أسمع أذنيه. والقول الخامس: قال الحسن لا تراه بعلانيتها ولا تسئ بسريتها.
البحث الثاني: الصلاة عبارة عن مجموع الأفعال والأذكار والجهر والمخافتة من عوارض الصوت، فالمراد ههنا من الصلوات بعض أجزاء ماهية الصلاة وهو الأذكار والقرآن وهو من باب إطلاق اسم الكل لإرادة الجزء. البحث الثالث: يقال خفت صوته يخفت خفتا وخفوتا إذا ضعف وسكن وصوت خفيت أي خفيض ومنه يقال للرجل إذا مات قد خفت أي انقطع كلامه وخفت الزرع إذا ذبل وخفت الرجل يخافت بقراءته إذا لم يبين قراءته برفع الصوت وقد تخافت القوم إذا تساروا بينهم وأقول ثبت في كتب الأخلاق أن كلا طرفي الأمور ذميم والعدل هو رعاية الوسط ولهذا المعنى مدح الله هذه الأمة بقوله: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * (البقرة: 143) وقال في مدح المؤمنين: * (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) * (الفرقان: 67) وأمر الله رسوله فقال: * (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط) * (الإسراء: 29) فكذا ههنا نهى عن الطرفين وهو الجهر والمخافتة وأمر بالتوسط بينهما فقال: * (وابتغ بين ذلك سبيلا) * ومنهم من قال الآية منسوخة بقوله: * (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) * (الأعراف: 55) وهو بعيد واعلم أنه تعالى لما أمر أن لا يذكر ولا ينادى إلا بأسمائه الحسنى علمه كيفية التحميد فقال: * (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا) * فذكر ههنا من صفات التنزيه والجلال وهي السلوب ثلاثة أنواع من الصفات. النوع الأول: من الصفات أنه لم يتخذ ولدا والسبب فيه وجوه. الأول: أن الولد هو الشيء المتولد من جزء من أجزاء شيء آخر فكل من له ولد فهو مركب من الأجزاء والمركب محدث والمحدث محتاج لا يقدر على كمال الإنعام فلا يستحق كمال الحمد. الثاني: أن كل من له ولد فإنه يمسك جميع النعم لولده فإذا لم يكن له ولد أفاض كل تلك النعم على عبيده. الثالث: أن الولد هو الذي يقوم مقام الوالد بعد انقضائه وفنائه فلو كان له ولد لكان منقضيا ومن كان كذلك لم يقدر على كمال الإنعام في كل الأوقات فوجب أن لا يستحق الحمد على الإطلاق. والنوع الثاني: من الصفات السلبية قوله: * (ولم يكن له شريك في الملك) * والسبب في اعتبار هذه الصفة أنه لو كان له شريك فحينئذ لا يعرف كونه مستحقا للحمد والشكر. والنوع الثالث: قوله: * (ولم يكن له ولي من الذل) * والسبب في اعتبار هذه الصفة أنه لو جاز عليه ولي من الذل لم يجب شكره لتجويز أن غيره حمله