وولدا) * والسبب في وقوع هذه الشبهة أنه تعالى لما أعطاه المال في الدنيا ظن أنه إنما أعطاه ذلك لكونه مستحقا له، والاستحقاق باق بعد الموت فوجب حصول العطاء. والمقدمة الأولى كاذبة فإن فتح باب الدنيا على الإنسان يكون في أكثر الأمر للاستدراج والتملية، قرأ نافع وابن كثير خيرا منهما، والمقصود عود الكناية إلى الجنتين، والباقون منها، والمقصود عود الكناية إلى الجنة التي دخلها، ثم ذكر تعالى جواب المؤمن فقال جل جلاله: * (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) * وفيه بحثان:
البحث الأول: أن الإنسان الأول قال: * (وما أظن الساعة قائمة) * وهذا الثاني كفره حيث قال: * (أكفرت بالذي خلقك من تراب) * وهذا يدل على أن الشاك في حصول البعث كافر.
البحث الثاني: هذا الاستدلال يحتمل وجهين: الأول: يرجع إلى الطريقة المذكورة في القرآن وهو أنه تعالى لما قدر على الابتداء وجب أن يقدر على الإعادة فقوله: * (خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) * إشارة إلى خلق الإنسان في الابتداء. الوجه الثاني: أنه لما خلقك هكذا فلم يخلقك عبثا، وإنما خلقك للعبودية وإذا خلقك لهذا المعنى وجب أن يحصل للمطيع ثواب وللمذنب عقاب وتقريره ما ذكرناه في سورة يس، ويدل على هذا الوجه قوله: * (ثم سواك رجلا) * أي هيأك هيئة تعقل وتصلح للتكليف فهل يجوز في العقل مع هذه الحالة إهماله أمرك ثم قال المؤمن: * (لكنا هو الله ربي) * وفيه بحثان:
البحث الأول: قال أهل اللغة لكنا أصله لكن أنا فحذفت الهمزة وألقيت حركتها على نون لكن فاجتمعت النونان فأدغمت نون لكن في النون التي بعدها ومثله: وتقلينني لكن إياك لا أقلى أي لكن أنا لا أقليك وهو في قوله: * (هو الله ربي) * ضمير الشأن وقوله: * (الله ربي) * جملة من المبتدأ والخبر واقعة في معرض الخبر لقوله: هو فإن قيل قوله: * (لكنا) * استدراك لماذا؟ قلنا لقوله: * (أكفرت) * كأنه قال لأخيه: أكفرت بالله لكني مؤمن موحد كما تقول زيد غائب لكن عمرو حاضر.
والبحث الثاني: قرأ ابن عامر ويعقوب الحضرمي ونافع في رواية: * (لكنا هو الله ربي) * في الوصل بالألف. وفي قراءة الباقين: * (لكن هو الله ربي) * بغير ألف والمعنى واحد ثم قال المؤمن: * (ولا أشرك بربي أحدا) * ذكر القفال فيه وجوها: أحدها: إني لا أرى الفقر والغنى إلا منه فأحمده إذا أعطى وأصبر إذا ابتلي ولا أتكبر عندما ينعم علي ولا أرى كثرة المال والأعوان من نفسي وذلك لأن الكافر لما اعتز بكثرة المال والجاه فكأنه قد أثبت لله شريكا في إعطاء العز والغنى. وثانيها: لعل ذلك الكافر مع كونه منكرا للبعث كان عابد صنم فبين هذا المؤمن فساد قوله بإثبات الشركاء. وثالثها: أن هذا الكافر لما عجز الله عن البعث والحشر فقد جعله مساويا للخلق في هذا العجز وإذا أثبت المساواة فقد أثبت الشريك ثم قال المؤمن للكافر: * (ولولا إذ دخلت جنتك