والحق أن المراد أنه تعالى يسيرها إلى العدم لقوله تعالى: * (ويسئلونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) * (طه: 105 - 107) ولقوله: * (وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا) * (الواقعة: 5، 6) والنوع الثاني: من أحوال القيامة قوله تعالى: * (وترى الأرض بارزة) * وفي تفسيره وجوه: أحدها: أنه لم يبق على وجهها شيء من العمارات، ولا شيء من الجبال، ولا شيء من الأشجار، فبقيت بارزة ظاهرة ليس عليها ما يسترها، وهو المراد من قوله: * (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) *. وثانيها: أن المراد من كونها بارزة أنها أبرزت ما في بطنها وقذفت الموتى المقبورين فيها فهي بارزة الجوف والبطن فحذف ذكر الجوف، ودليله قوله تعالى: * (وألقت ما فيها وتخلت) * (الانشقاق: 4) وقوله: * (وأخرجت الأرض أثقالها) * (الزلزلة: 2) وقوله: * (وبرزوا لله جميعا) *. وثالثها: أن وجوه الأرض كانت مستورة بالجبال والبحار، فلما أفنى الله تعالى الجبال والبحار فقد برزت وجوه تلك البقاع بعد أن كانت مستورة. والنوع الثالث: من أحوال القيامة قوله: * (وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا) * والمعنى جمعناهم للحساب فلم نغادر منهم أحدا، أي لم نترك من الأولين والآخرين أحدا إلا وجمعناهم لذلك اليوم، ونظيره قوله تعالى: * (قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) * (الواقعة: 49، 50) ومعنى لم نغادر لم نترك، يقال: غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر ترك الوفاء، ومنه الغدير لأنه ما تركته السيول، ومنه سميت ضفيرة المرأة بالغديرة لأنها تجعلها خلفها.
ولما ذكر الله تعالى حشر الخلق ذكر كيفية عرضهم، فقال: * (وعرضوا على ربك صفا) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في تفسير الصف وجوه. أحدها: أنه تعرض الخلق كلهم على الله صفا واحدا ظاهرين بحيث لا يحجب بعضهم بعضا، قال القفال: ويشبه أن يكون الصف راجعا إلى الظهور والبروز، ومنه اشتق الصفصف للصحراء. وثانيها: لا يبعد أن يكون الخلق صفوفا يقف بعضهم وراء بعض مثل الصفوف المحيطة بالكعبة التي يكون بعضها خلف بعض، وعلى هذا التقدير فالمراد من قوله صفا صفوفا كقوله: * (يخرجكم طفلا) * (غافر: 67) أي أطفالا. وثالثها: صفا أي قياما، كما قال تعالى: * (فاذكروا اسم الله عليها صواف) * (الحج: 36) قالوا قياما.
المسألة الثانية: قالت المشبهة قوله تعالى: * (وجاء ربك والملك صفا صفا) * (الفجر: 22) يدل على أنه تعالى يحضر في ذلك المكان وتعرض عليه أهل القيامة صفا، وكذلك قوله تعالى: * (لقد جئتمونا) * يدل على أنه تعالى يحضر في ذلك المكان، وأجيب عنه بأنه تعالى جعل وقوفهم في الموضع الذي يسألهم فيه عن أعمالهم ويحاسبهم عليها عرضا عليه، لا على أنه تعالى يحضر في مكان وعرضوا عليه ليراهم بعد أن لم يكن يراهم، ثم قال تعالى: * (لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة) * وليس المراد حصول المساواة من كل الوجوه، لأنهم خلقوا صغارا ولا عقل لهم ولا تكليف عليهم بل المراد أنه قال للمشركين المنكرين للبعث المفتخرين في الدنيا على فقراء المؤمنين بالأموال والأنصار: