المسألة الثالثة: قيل: * (فرطا) * أي مجاوزا للحد من قولهم: فرس فرط، إذا كان متقدما الخيل، قال الليث: الفرط الأمر الذي يفرط فيه يقال كل أمر فلان فرط، وأنشد شعرا:
لقد كلفني شططا * وأمرا خائبا فرطا أي مضيعا، فقوله وكان أمره فرطا معناه أن الأمر الذي يلزمه الحفظ له والاهتمام به وهو أمر دينه يكون مخصوصا بإيقاع التفريط والتقصير فيه، وهذه الحالة صفة من لا ينظر لدينه وإنما عمله لدنياه. فبين تعالى من حال الغافلين عن ذكر الله التابعين لهواهم أنهم مقصرون في مهماتهم معرضون عما وجب عليهم من التدبر في الآيات والتحفظ بمهمات الدنيا والآخرة، والحاصل أنه تعالى وصف أولئك الفقراء بالمواظبة على ذكر الله والإعراض عن غير ذكر الله فقال: * (مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) * ووصف هؤلاء الأغنياء بالإعراض عن ذكر الله تعالى والإقبال على غير الله وهو قوله: * (أغفلنا قلبه واتبع هواه) * ثم أمر رسوله بمجالسة أولئك والمباعدة عن هؤلاء، روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنت جالسا في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستر بعضا من العرى وقارئ يقرأ القرآن فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ماذا كنتم تصنعون؟ قلنا: يا رسول الله كان واحد يقرأ من كتاب الله ونحن نستمع، فقال عليه السلام: " الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت إلى أن أصبر نفسي معهم " ثم جلس وسطنا وقال: " أبشروا يا صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل الأغنياء بمقدار خمسين ألف سنة ".
* (وقل الحق من ربكم فمن شآء فليؤمن ومن شآء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بمآء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وسآءت مرتفقا) * في الآية مسائل: المسألة الأولى: في تقرير النظم وجوه. الأول: أنه تعالى لما أمر رسوله بأن لا يلتفت إلى أولئك الأغنياء الذين قالوا إن طردت الفقراء آمنا بك، قال بعده: * (وقل الحق من ربكم) * أي قل لهؤلاء إن هذا الدين الحق إنما أتى من عند الله فإن قبلتموه عاد النفع إليكم وإن لم تقبلوه عاد الضرر إليكم ولا تعلق لذلك بالفقر والغنى والقبح والحسن والخمول والشهرة. الوجه الثاني: في تقرير النظم يمكن أن يكون المراد أن الحق ما جاء من عند الله، والحق الذي