عليه السلام سأل ربه: أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال فأي عبادك أقضى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى. قال: فأي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردي، فقال موسى عليه السلام: إن كان في عبادك من هو أعلم مني فادللني عليه، فقال: اعلم منك الخضر، قال فأين أطلبه؟ قال: على الساحل عند الصخرة. قال يا رب: كيف لي به؟ قال: تأخذ حوتا في مكتل فحيث فقدته فهو هناك. فقال لفتاه إذا فقدت الحوت فأخبرني فذهبا يمشيان ورقد موسى واضطرب الحوت وطفر إلى البحر فلما جاء وقت الغداء طلب موسى الحوت فأخبره فتاه بوقوعه في البحر فرجع من ذلك الموضع إلى الموضع الذي طفر الحوت فيه إلى البحر فإذا رجل مسجى بثوبه فسلم عليه موسى عليه السلام فقال: وأني بأرضك السلام! فعرفه نفسه، فقال: يا موسى أنا على علم علمني الله لا تعلمه أنت وأنت على علم علمك الله لا أعلمه أنا، فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرفها فنقر في الماء فقال الخضر: ما ينقص علمي وعلمك من علم الله مقدار ما أخذ هذا العصفور من البحر - أقول نسبة ذلك القدر القليل الذي أخذه ذلك العصفور من ذلك الماء إلى كلية ماء البحر نسبة متناه إلى متناه ونسبة معلومات جميع المخلوقات إلى معلومات الله تعالى نسبة متناه إلى غير متناه، فأين إحدى النسبتين من الأخرى والله العالم بحقائق الأمور، ونرجع إلى التفسير، أما قوله تعالى: * (لا أبرح) * قال الزجاج قوله: * (لا أبرح) * ليس معناه لا أزول، لأنه لو كان كذلك لم يقطع أرضا، أقول يمكن أن يجاب عنه بأن الزوال عن الشيء عبارة عن تركه والإعراض عنه، يقال: زال فلان عن طريقته في الجود أي تركها، فقوله: لا أبرح بمعنى لا أزول عن السير والذهاب بمعنى لا أترك هذا العمل وهذا الفعل - وأقول المشهور عند الجمهور أن قوله لا أبرح معناه لا أزول، والعرب تقول: لا أبرح ولا أزال ولا انفك ولا أفتأ بمعنى واحد. قال القفال: وقالوا أصل قولهم لا أبرح من البراح كما أن أصل لا أزال من الزوال. يقال: زال يزال ويزول كما يقال دام يدام ويدوم ومات يمات ويموت إلا أن المستعمل في هذه اللفظة يزال فقوله: لا أبرح أي أقيم لأن البراح هو العدم فقوله لا أبرح يكون عدما للعدم فيكون ثبوتا، فقوله: لا أزال ولا أبرح يفيد الدوام والثبات على العمل فإن قيل: إذا كان قوله لا أبرح بمعنى لا أزال فلا بد من الخبر، قلنا: حذف الخبر لأن الحال والكلام يدلان عليه، أما الحال فلأنها كانت حال سفر، وأما الكلام فلأن قوله: * (حتى أبلغ مجمع البحرين) * غاية مضروبة تستدعي شيئا هي غاية له فيكون المعنى لا أبرح أسير حتى أبلغ مجمع البحرين ويحتمل أن يكون المعنى لا أبرح مما أنا عليه يعني ألزم المسير والطلب ولا أتركه ولا أفارقه حتى أبلغ كما تقول لا أبرح المكان. وأما مجمع البحرين فهو المكان الذي وعد فيه موسى بلقاء الخضر عليهما السلام وهو ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق وقيل غيره وليس في اللفظ ما يدل على تعيين هذين البحرين فإن صح بالخبر الصحيح شيء فذاك وإلا فالأولى السكوت عنه، ومن الناس من قال: البحران موسى والخضر
(١٤٥)