بين الصدفين) * فيه إضمار أي فأتوه بها فوضع تلك الزبر بعضها على بعض حتى صارت بحيث تسد ما بين الجبلين إلى أعلاهما ثم وضع المنافخ عليها حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فالتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا، واعلم أن هذا معجز قاهر لأن هذه الزبر الكثيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر الحيوان على القرب منها، والنفخ عليها لا يمكن إلا مع القرب منها فكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين عليها. قال صاحب الكشاف: قيل بعدما بين: * (السدين) * مائة فرسخ. * (والصدفان) * بفتحتين جانبا الجبلين لأنهما يتصادفان أي يتقابلان وقرئ: * (الصدفين) * بضمتين. * (والصدفين) * بضمة وسكون والقطر النحاس المذاب لأنه يقطر، وقوله: * (قطرا) * منصوب بقوله: * (أفرغ) * وتقديره آتوني قطرا: * (أفرغ عليه قطرا) * فحذف الأول لدلالة الثاني عليه ثم قال: * (فما اسطاعوا) * فحذف التاء للخفة لأن التاء قريبة المخرج من الطاء وقرئ: * (فما اصطاعوا) * بقلب السين صادا * (أن يظهروه) * أن يعلوه أي ما قدروا على الصعود عليه لأجل ارتفاعه وملاسته ولا على نقبه لأجل صلابته وثخانته، ثم قال ذو القرنين: * (هذا رحمة من ربي) * فقوله هذا إشارة إلى السد، أي هذا السد نعمة من الله ورحمة على عباده أو هذا الاقتدار والتمكين من تسويته: * (فإذا جاء وعد ربي) * يعني فإذا دنا مجيء القيامة جعل السد دكا أي مدكوكا مسوى بالأرض. وكل ما انبسط بعد الارتفاع فقد اندك وقرئ دكاء بالمد أي أرضا مستوية * (وكان وعد ربي حقا) * وههنا آخر حكاية ذي القرنين.
قوله تعالى * (وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ونفخ فى الصور فجمعناهم جمعا * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا * الذين كانت أعينهم فى غطآء عن ذكرى وكانوا لا يستطيعون سمعا) * اعلم أن الضمير في قوله بعضهم عائد إلى: * (يأجوج ومأجوج) * وقوله: * (يومئذ) * فيه وجوه: الأول: أن يوم السد ماج بعضهم في بعض خلفه لما منعوا من الخروج. الثاني: أن عند الخروج يموج بعضهم في بعض قيل إنهم حين يخرجون من وراء السد يموجون مزدحمين في البلاد يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ويأكلون لحوم الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة والمدينة وبيت المقدس ثم يبعث الله عليهم حيوانات فتدخل آذانهم فيموتون. والقول الثالث: أن المراد من قوله: * (يومئذ) * يوم القيامة وكل ذلك محتمل إلا أن الأقرب أن