تاريخه أن صاحب أذربيجان أيام فتحها وجه إنسانا إليه من ناحية الخزر فشاهده ووصف أنه بنيان رفيع وراء خندق عميق وثيق منيع، وذكر ابن خردا (ذبة) في كتاب المسالك والممالك أن الواثق بالله رأى في المنام كأنه فتح هذا الردم فبعث بعض الخدم إليه ليعاينوه فخرجوا من باب الأبواب حتى وصلوا إليه وشاهدوه فوصفوا أنه بناء من لبن من حديد مشدود بالنحاس المذاب وعليه باب مقفل، ثم إن ذلك الإنسان لما حاول الرجوع أخرجهم الدليل على البقاع المحاذية لسمرقند، قال أبو الريحان: مقتضى هذا أن موضعه في الربع الشمالي الغربي من المعمورة، والله أعلم بحقيقة الحال.
البحث الثالث: أن ذا القرنين لما بلغ ما بين السدين وجد من دونهما أي من ورائهما مجاوزا عنهما * (قوما) * أي أمة من الناس: * (لا يكادون يفقهون قولا) * قرأ حمزة والكسائي يفقهون بضم الياء وكسر القاف على معنى لا يمكنهم تفهيم غيرهم والباقون بفتح الياء والقاف، والمعنى أنهم لا يعرفون غير لغة أنفسهم وما كانوا يفهمون اللسان الذي يتكلم به ذو القرنين، ثم قال تعالى: * (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض) * فإن قيل: كيف فهم ذو القرنين منهم هذا الكلام بعد أن وصفهم الله بقوله: * (لا يكادون يفقهون قولا) * والجواب: أن نقول كاد فيه قولان. الأول: أن إثباته نفي، ونفيه إثبات، فقوله: * (لا يكادون يفقهون قولا) * لا يدل على أنهم لا يفهمون شيئا، بل يدل على أنهم قد يفهمون على مشقة وصعوبة. والقول الثاني: أن كاد معناه المقاربة، وعلى هذا القول فقوله: * (لا يكادون يفقهون قولا) * أي لا يعلمون وليس لهم قرب من أن يفقهوا. وعلى هذا القول فلا بد من إضمار، وهو أن يقال: لا يكادون يفهمونه إلا بعد تقريب ومشقة من إشارة ونحوها، وهذه الآية تصلح أن يحتج بها على صحة القول الأول في تفسير كاد.
البحث الرابع: في يأجوج ومأجوج قولان: الأول: أنهما إسمان أعجميان موضوعان بدليل منع الصرف. والقول الثاني: أنهما مشتقان، وقرأ عاصم يأجوج ومأجوج بالهمز. وقرأ الباقون يأجوج ومأجوج. وقرئ في رواية آجوج ومأجوج، والقائلون بكون هذين الإسمين مشتقين ذكروا وجوها. الأول: قال الكسائي: يأجوج مأخوذ من تأجج النار وتلهبها فلسرعتهم في الحركة سموا بذلك ومأجوج من موج البحر. الثاني: أن يأجوج مأخوذ من تأجج الملح وهو شدة ملوحته فلشدتهم في الحركة سموا بذلك. الثالث: قال القتيبي: هو مأخوذ من قولهم أج الظليم في مشيه يئج أجا إذا هرول وسمعت حفيفه في عدوه. الرابع: قال الخليل: الأج حب كالعدس والمج مج الريق فيحتمل أن يكونا مأخوذين منهما واختلفوا في أنهما من أي الأقوام فقيل: إنهما من الترك، وقيل: * (يأجوج) * من الترك * (ومأجوج) * من الجيل والديلم ثم من الناس من وصفهم بقصر القامة وصغر الجثة بكون طول أحدهم شبرا ومنهم من وصفهم بطول القامة وكبر الجثة وأثبتوا لهم مخاليب في